الارهابي عبدالله الرزامي.. شيخ الدم الذي صنع حرب لا تنتهي

حين تستعاد ذاكرة الحروب الست في صعدة وما تلاها من فصول دامية يطل اسم الارهابي عبدالله عائض الرزامي كأحد الوجوه التي لا يمكن تجاوزها فالرجل قائد ميداني يخوض المعارك ثم يرحل وكانه أقرب إلى مهندس ضمني لجزء من ماكينة الحرب الحوثية يخلط بين دور الشيخ القبلي الذي يعرف كيف يحرك الولاءات وبين جرأة الارهابي الذي لا يرى في الدم إلا وسيلة لصناعة النفوذ فالرزامي صاغ صورته من عناصر متشابكة كقبيلة تمنحه الغطاء وارهابي يوفر له التحصين وخطاب سلالي يضفي على القتال قداسة تجعل من الرصاصة طقس ديني أكثر منه فعل عسكري بهذه الخلطة غير العادية تحول منذ اللحظة الأولى إلى واحد من أكثر الشخصيات تأثيرا في مسار تمرد مليشيات الحوثي ورمز للعلاقة الملتبسة بين العنف والسلطة الانقلابية في تاريخ اليمن الحديث.

ولد الارهابي الرزامي في محافظة صعدة في بيئة يغلب عليها الطابع القبلي وتتشابك فيها المصالح التقليدية مع الطموحات السياسية للسلالة الهاشمية يمتلك خلفية عابرة وكانت مصنع لصناعة قادة التمرد من طينتها يبرعون في استخدام العصبية القبلية كرافعة للسلطة ومنذ شبابه المبكر وجد الرزامي نفسه محاط بأجواء من التوتر والتمرد والانقلاب مع الدولة المركزية.

وفي عام 2004 ومع اندلاع أولى الحروب خرج الارهابي الرزامي من إطار الشيخ القبلي إلى دور القائد الميداني في المليشيات وكانت تلك اللحظة التي صعد فيها اسمه إلى واجهة الأحداث لا سيما أنه لعب دور مباشر في إدارة المعارك في تضاريس صعدة الجبلية كما ان الجبال بالنسبة له ليست عائق وانما درع طبيعي استخدمها لإقامة الكمائن وتنفيذ تكتيكات الكر والفر وقدرته على تعبئة المقاتلين من أبناء القبائل منحت المليشيات ذراع لا يستهان بها وجعلته منذ البداية شريك أساسي في صياغة الهوية القتالية للمليشيات الحوثية .

لكن ما يميز الارهابي الرزامي ليست قدرته العسكرية وانما مهارته في توظيف العصبية القبلية لخدمة المشروع السلالي العنصري الطائفي وجمع بين الولاء للعالم الارهابي حسين الحوثي وبين استغلال قوة القبيلة وبهذا المعنى شكل الجسر الذي عبرت عليه المليشيات الحوثية من كونها حركة عقائدية محدودة إلى كيان مسلح يملك عمق اجتماعي في مناطق صعدة ومع كل معركة كان يحشد مقاتلين جدد مستفيد من خطاب يخلط بين الدين والقبيلة مقدم الحرب باعتباره واجب شرعي ومعركة كرامة بالنسبة لهم.

ومع استمرار جولات الحرب لم يكتف الارهابي الرزامي بدور القائد في الميدان وتحول إلى منفذ مباشر لسياسة الإخضاع القبلي وكل قبيلة رفضت الانضواء تحت جناح المليشيات الحوثية واجهت خيارين الترغيب بالسلاح والمال أو الترهيب بالقتل والنهب والتهجير كما ان تقارير حقوقية محلية ودولية وثقت جرائم ارتبطت باسمه فقرى بقاطنيها احرقت بالكامل وأسر شردت من منازلها ومدنيون اعدموا ميدانيا بلا محاكمة وأراض نهبت لصالح مقاتليه وبالنسبة للكثيرين كان الارهابي الرزامي الوجه الأكثر قسوة للمليشيات في سنواتهم الأولى.

وإذا كانت الحروب الأولى قد رسمت ملامح سمعته كمقاتل دموي ارهابي فإن خطابه العقائدي رسخ صورته كمنظر للسلالة العنصرية وفي مجالسه يتحدث بصفته شيخ قبلي ويقدم نفسه كمؤمن متحمس لفكرة الحق الإلهي في الحكم وكان يرى أن سلطة آل البيت أمر لا يناقش وأن مقاومة هذا المشروع الذي يومن به لا تعني سوى الخروج على الدين وبهذا الخطاب يمزج بالسلاح ويتحول إلى وقود لحرب طويلة لا تنتهي وهو ما جعل دوره يتجاوز حدود القيادة الميدانية إلى دور المعبئ الفكري للمليشيات.

ومع توسع نفوذ مليشيات الحوثي الارهابية بعد 2014 تراجع حضور الرزامي في الواجهة الإعلامية لكنه لم يختف من البنية الداخلية للمليشيات وظل الرجل حاضر كرقم قبلي وعسكري يستدعي في اللحظات الحرجة وقت تتفجر خلافات قبلية تحتاج إلى تسوية بالقوة أو وقت تضعف جبهة من الجبهات وتحتاج إلى قائد يعرف كيف يلم شتات عناصر المليشيات و أصبح بمثابة شيخ الحروب الرجل الذي يظهر وقت يستدعى الدم والارهاب ويختفي وقت يحضر التفاوض السياسي.

قراءة مسيرة الارهابي الرزامي تكشف عن دور مزدوج من جهة هو أداة تنفيذية للقيادة المليشيات الحوثية ومن جهة أخرى يمثل سلطة قائمة بذاتها داخل مجتمعه القبلي وبهذه الثنائية منحته حصانة خاصة فهو ليس تابع يطيع الأوامر ولكنه شيخ يعرف أن المليشيات الحوثية تحتاجه كما يحتاجها وبهذا المعنى ظل دائما حاضر في معادلة القوة حتى وإن بدا غائب عن الصورة العامة.

لكن إرث الارهابي الرزامي لا يقاس بموقعه الحالي وانما بالأثر الذي تركه في مناطق حاضنة المليشيات فذاكرة صعدة واليمن عموما مثقلة بصور الخراب والارهاب التي ارتبطت باسمه أطفال جندوا وعادوا جثثا وقرى أبيدت من الوجود ونساء شردت مع أسرهن ورجال قاموا بحملات قمعية بلا أي ذنب سوى انتمائهم لقبيلة رفضت الخضوع فالذاكرة تجعل منه رمز للانتهاكات التي لا تسقط بالتقادم ورمز لجيل كامل من أمراء الحرب الذين استثمروا في الدم كوسيلة للنفوذ.

وفي ظل استمرار الصراع اليمني يظل اسم الارهابي عبدالله الرزامي حاضر كظل ثقيل يخيم على المشهد فهو ليس شخصية من الماضي وانما جزء من منظومة ما زالت تتحكم بمفاصل الحياة في الشمال وإذا كان حضوره العلني قد تراجع فإن حضوره في ذاكرة الضحايا لم يتراجع أبدا وسيظل بالنسبة لهم الرجل الذي جسد أبشع ما في الحرب قسوة الميدان وقهر القبيلة واستغلال الدين لتبرير العنف.

كما ان الأرهابي عبدالله الرزامي يمثل الصورة العارية للمشروع الحوثي منذ بدايته مشروع لا يكتفي بالشعارات ويغرس نفسه في الأرض بالقوة ولا يتورع عن تحويل القبيلة إلى جيش والأرض والجبل الى ساحة حرب والدين إلى مبرر للدم وقد يختلف المراقبون حول موقعه اليوم داخل دائرة القرار لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن بصماته محفورة في جسد اليمن المثخن بالجراح وأنه واحد من أولئك الذين أسسوا لحرب طويلة لا تزال فصولها تتوالى حتى الان.

ويظل الارهابي عبدالله الرزامي أكثر من اسم في تاريخ صعدة وإنه تجسيد حي لفكرة الحرب الحوثية المستمرة ضد اليمنيين وشيخ لا يعرف سوى لغة الدم وقائد ترك وراءه أثر من الخراب يمتد أبعد من حدود معاركه ليصبح صورة واضحة من نهج واستراتيجية مشروع ارهابي عنصري سلالي كهنوتي دخيل على النسيج الاجتماعي اليمني.