عندما يكون الفشل السياسي هدية للعدو
كتب | أحمد الشعيبي *
في زمن الأزمات، لا يكون الدفاع واجباً فردياً بقدر ما هو التزام وطني. غير أن هذا الالتزام لا يعني بأي حال من الأحوال الدفاع عن أشخاص أو كيانات لم تقدم للوطن إلا الفشل وخيبات الأمل؛ إنما الدفاع الحق هو عن الوطن ومؤسساته وثوابته، وعن أولئك الذين يذودون عن حماه بدمائهم وأرواحهم، من أبطال الجيش الوطني المرابطين في الجبهات، ورجال الأمن الساهرين على أمن المواطن واستقراره.
اليوم، لا يمكن إنكار أن المليشيا الحوثية الإرهابية تستمد قوتها ليس من تفوقها العسكري أو مشروعها السياسي، بل من ضعف خصومها وتخبطهم. لقد راهن الجميع مراراً على القيادات السياسية في الشرعية، لكنهم لم يجلبوا سوى المزيد من الخذلان. سنوات طويلة من الصراع، كان يمكن خلالها أن تُبنى مؤسسات دولة حقيقية، وأن يُعاد ترتيب الصفوف لمواجهة العدو المشترك، لكن ما حدث هو العكس تماماً؛ إذ تحولت الشرعية إلى ساحة صراعات داخلية، وعجزت قياداتها عن تقديم نموذج الدولة التي يحلم بها اليمنيون، بل إنها بدت أحياناً وكأنها عبء على القضية الوطنية أكثر من كونها حاملاً لها.
الحوثيون لم يكونوا يوماً قوة لا تُهزم، لكنهم استفادوا من فشل خصومهم، من غياب الرؤية السياسية، ومن حالة التراخي والفساد التي نخرت جسد الشرعية. بينما كان المواطن يتطلع إلى قرارات حاسمة وإصلاحات جادة، لم تقدم الحكومة وأجهزتها سوى المزيد من الترهات والكوارث، وباتت معاناة الشعب تتفاقم يوماً بعد يوم، وسط غلاء فاحش وانعدام للخدمات، وكأن معركتهم ليست مع الحوثي، بل مع حياة المواطن وكرامته.
إن من يسعى لاستعادة الدولة عليه أن يكون بمستوى التحدي، أن يكون صادقاً مع شعبه، وأن يدرك أن المرحلة لا تحتمل المزيد من الفشل والتجريب. أما من لا يستطيع تحمل مسؤولياته، فلا مكان له سوى مزبلة التاريخ، حيث لا يُذكر الفاشلون إلا كعبرة للأجيال القادمة بأن الأوطان لا تُبنى بالخطابات الجوفاء، بل بالعمل الصادق والتضحية الحقيقية.
اليمن اليوم ليس بحاجة إلى مزيد من الشعارات، بل إلى قيادة تدرك أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط في الميادين العسكرية، بل أيضاً في ميادين السياسة والاقتصاد والإدارة. قيادة تدرك أن قوتها تكمن في كسب ثقة شعبها لا في استنزافه، قيادة تدرك أن العدو الحقيقي ليس فقط من يحمل السلاح ضد الدولة، بل أيضاً من يخون الأمانة ويتاجر بآلام الناس، أو يخوض معارك جانبية، وكل همه هو الاستحواذ والتكسب.
ولا شك أن استمرار هذا العبث لن يؤدي إلا إلى مزيد من إطالة أمد المعركة، وإلى منح الحوثيين مزيداً من الوقت لتعزيز سيطرتهم. وإذا لم تستفق الشرعية من سباتها، وتستدرك الوقت، فقد يأتي اليوم الذي يفقد فيه المواطنون حتى الرغبة في الرهان عليها، وعندها سيكون الثمن باهظاً.
_________________________
* قيادي في المقاومة الشعبية