الشـباب السيـبراني… جـنود المستـقبل
رسـالة مفـتوحة إلى وزير الدفـاع اليمني، ووزير الداخـلية اليمني، ووزير الاتـصالات اليمني، ورئيـس جهاز الأمـن القـومي اليمني.
أصحاب المعالي:
في عـالم تتغير فيه معادلات القوة بسرعة مذهلة، وتتحول فيه الحروب من جبهاتٍ تُسمَع فيها أصوات المدافع إلى فضاءات رقمية لا يُسمَع فيها شيء؛ يبرز الأمن السيبراني بوصفه أحد أعمدة الأمن القومي الحديث.
لـقد أصبح الدفاع عن الدولة لا يقتصر على حراسة حدودها البرية والبحرية والجوية، بل يشمل حماية فضائها الرقمي الذي بات أكثر اتساعًا وتعقيدًا.
ولأن التهديدات التي تستهدف الدول اليوم تأخذ في كثير من الأحيان شكل هجمات خفية، تُوجَّه نحو منشآتها الحيوية، ومؤسساتها الرسمية، وبنيتها التحتية الرقمية، فإن حماية الوطن لم تعد ممكنة دون إعداد جيل جديد من الشباب القادرين على مواجهة هذا النوع من الحرب.
هـؤلاء الشباب هم جنود المستقبل؛ جنود لا يرتدون الزيّ العسكري بالضرورة، لكنهم يقفون على ثغور لا يراها أحد، يحرسون منظومات الدولة، ويحمون بياناتها، ويردعون كل محاولة اختراق قد تُحدث خللًا في إدارة الدولة أو أمنها أو سيادتها.
أصحاب المعالي:
إنّ الفرصـة بين أيديكم، والشباب اليمني يمتلك قدرات استثنائية في مجال التقنية، وقد أثبتت التجارب الفردية أنهم قادرون على التعلم السريع، والابتكار، والاشتغال في بيئات عالية الحساسية؛ لكـن هذه القدرات تحتاج إلى رعاية، وإلى مشروع وطني واضح تتبناه مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها وزاراتكم.
لـقد حان الوقت لتحويل هذه الطاقات إلى قوة دفاعية حقيقية، عبر:
· إطـلاق برامج تدريب وطنية مشتركة تشرف عليها وزارات الدفاع والداخلية والاتصالات، لإعداد نخبة من الشباب في الأمـن السيبراني والهندسة الدفـاعية الإلكترونية.
· إنـشاء وحدات متخصصة للرصد والاستجابة للحوادث تعمل على مدار الساعة، وتكون جزءًا من منظومة الأمن القومي.
· صياغـة عقيدة سيبرانية وطنية تُدمَج في خطط الدفاع الداخلي والخارجي.
· تجـهيز معامل تقنية ومراكز محاكاة تُتيح للشباب التدريب العملي على مواجهة الهجمات والاختراقات.
إن إعـداد مائة شاب متخصص في "الأمن السيبراني"، قد يكون أثـمن للدولة من إنشاء وحدات عسكرية كاملة؛ لأن هؤلاء يحمون البنية الحيوية التي تعتمد عليها كل مؤسسات الدولة، من الكهرباء والمياه والنقل وحتى الأجهزة المالية والحكومية.
أصحاب المعالي:
إن حـماية الفضاء الرقـمي ليست رفاهية، وإن بناء جيش سيبراني وطني ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية في زمن تتعرض فيه الدول لاختراقات تهدف إلى زعزعة استقلال قرارها، وإرباك إدارتها، والضغط على مؤسساتها.
والمواجـهة في حقيقة الأمر لا تكون بالشعارات، بل بإعداد كوادر وطنية مُدرَّبة، وبخطط عمل واضحة، وبإرادة رسمية تُدرك أنّ الأمن في القرن الحادي والعشرين يبدأ من الشاشـة قـبل السـلاح.
الإخـوة:
مـعالي وزير الدفاع…
مـعالي وزير الداخلية…
مـعالي وزير الاتصالات…
الأخ رئيـس جهاز الأمن القومي.
إنّ الوطـن يقف على عتبة مرحلة دقيقة تُعاد فيها صياغة مفاهيم القوة، وتتبدل خلالها موازين الردع، ويغدو فيها الفضاء الرقمي ساحة صراع لا تقل خطورة عن ميادين القتال.
وفـي خضم هذا التحول العميق، تصبح مسؤوليتكم التاريخية مضاعفة، ويغدو لقراراتكم أثرٌ يمتد إلى مستقبل الدولة ذاته.
وإننـي أضـع بين أيديكم هذه الحقيقة الصارخة: كلٌّ في وزارته بحاجةٍ ماسّة إلى بناء فرق أمن سيبراني متخصصة؛ فرق تمتلك المعرفة، والانضباط، والقدرة على الوقوف في مواجهة تهديدات لا تُرى، لكنها قادرة على شلّ مؤسسات، وتعطيل اقتصادات، وإرباك دول بأكملها.
فالعالـم من حولنا يتغيّر في بنيته العميقة؛ والأسلحة الحديثة تُدار اليوم عبر الأقمار الصناعية والبرمجيات فائقة الدقة؛ وهناك أنظمة متقدمة قادرة على اقتحام شبكات الدولة وتغيير بياناتها بما يتوافق مع مصالح جهات مشبوهة؛ وبرامج اتصالات يمكنها تعطيل الشبكات، وقطع الإنترنت، وزعزعة استقرار البنوك والشركات، والتأثير على عمل المؤسسات الحيوية دون أن يُسمَع صوت رصاصة واحدة.
ومـهما بلغت قوتنا العسكرية، أو تماسك أجهزتنا الأمنية، فلن يكتمل أمن الدولة ما لم تُحصِّن نفسها رقميًا أمام هذا النوع من الحروب الصامتة.
وإنّ الاستـثمار في الشباب المؤهـل لصدّ هذه الأخطار هو خـط الدفـاع الأول، وهو الضمانة الأصدق لصون سيادة اليمن وحماية مقدراته في زمن لا يرحم من يتأخر عن حماية فضائه الرقمي.
إنّ هـؤلاء الشباب هم جـنود المستقبل ودرعُ الدولة الخفي، وذراعها الدفاعية الأعمق، وعنوان جاهزيتها لعصر تتغير فيه قواعد اللعبة كل يوم.
فلتكـن على عاتقكم — يا أصحاب المعالي — مسؤولية إطلاق هذا المشروع الوطني، وترسيخ دعائمه، وتمكين شبابه؛ فهو مشروع يرتبط بالبقاء نفسه، لا بالتطوير الفني ولا بالتحديث الإداري، وليكن البدء الآن… لا غـدًا.
وأخـيرًا؛
فـإن التاريخ لا يذكر أولئك الذين وقفوا متفرجين على التحولات الكبرى، بل يخـلد أولئك الذين أدركوها فسبقوها، وشاركوا في صياغتها فقهروها.
إن قراركـم اليوم، أيها السادة، ليس مجرد خطوة تنموية، بل هو إعـلانٌ للعالـم بأن اليمن، برجالها وشبابها، لن يكون ساحةً للصراعات الرقمية، بل سيكون حارسًا أمينًا على حدوده السيبرانية، وفاعلًا رئيسيًا في هندسة أمنه القومي.
ليكـن شعاركم: "شبابٌ يمني يصنع أمن اليمن الرقـمي".
أخوكم/
د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 26. نوفمبر. 2025م
.



