التعـليم الوظيفة التي لم يُدرك الناس جوهـرها

 يُخـطئ كثيرون حين ينظرون إلى مهنة التعليم على أنها مجرّد وظيفة مرتبطة بالسبورة والكتاب؛ فالواقع أعمق من ذلك بكثير.

     المـعلم؛ ليس موظفًا عاديًا يؤدي ساعات عمل محددة، بل هو صانع وعي، ومهندس قيم، وباني أجيال.

     المـعلم في جوهر عمله، لا يكتفي بشرح الدروس وتوزيع الواجبات، بل يحمل رسالة تربوية وإنسانية تتجلى في التوجيه والإرشاد، وغرس مبادئ التعايش السلمي بين الطلاب، وتنمية روح الاحترام المتبادل، وتعزيز الانتماء للوطن؛ إنه يعلّم بالقدوة أكثر مما يعلّم بالكلام، ويُغرس من خلاله في نفوس الأبناء حب الخير والمعرفة وحب الآخر.

     المـعلم؛ سواء كان تربويًا في المدارس أو أكاديميًا في الجامعات، يقف أمام صفوف مكتظة يتجاوز عدد طلابها أحيانًا السبعين طالبًا في الفصل الواحد، وهو مطالب بأن يستمع لهذا، ويجيب عن سؤال ذاك، سواء كان السؤال في صميم موضوع الدرس أو بعيدًا عنه، وهو كذلك ملزم بالتعامل مع أسئلة عبثية أو ساخرة تصدر من بعض الطلاب المستهزئين بالتعليم، لكنه لا يملك رفاهية التجاهل، لأنه مؤتمن على إيصال المعرفة ومواجهة كل هذه التحديات بصبر واتزان. 

     ورغـم هذا الدور الجليل، يعيش المعلم واقعا صعبًا، يتعرض فيه أحيانًا لعدم الاحترام أو حتى الإساءة من طلاب وأولياء أمور، بل وللاعتداء اللفظي والجسدي أحيانًا، في مشاهد لا تليق بمكانته، ولا يقبلها منطق ولا عدل. 

     والمـؤلم أن هذه المهنة التي تحمل أثقل الرسائل الإنسانية، لا تزال تُقابل في كثير من الأحيان بالإهمال في الحقوق والرعاية.

     التعـليم؛ ليس وظيفة سهلة يجلس فيها الموظف على كرسي وثير خلف مكتب أنيق، بل هو عمل مضنٍ يتطلب صبرًا عميقًا وجهدًا متواصلًا، يبدأ بالتحضير الذهني والنفسي ويمتد إلى مواجهة ضغوط الصف وتحديات التقييم والمتابعة.

لهـذا، 

     فـإن احترام مهنة التعليم واجب على جميع فئات المجتمع، وهو احترام لمستقبل الوطن ذاته؛ كما أن الدولة مطالَبة بإعادة النظر في رواتب المعلمين وظروفهم الصحية والنفسية، لأن معلمًا منهكًا لا يمكن أن يصنع طالبًا متوازنًا، ولأن جودة التعليم ترتبط بصورة مباشرة بكرامة القائمين عليه.

يا سـادة يا كـرام؛ 

     إنـها ليست مهنة عادية، بل رسالة تصنع بها الأوطان مستقبلها، ومن يُهمل مكانة المعلم، يهمل في الحقيقة مستقبل أمّته بأكملها.

د. هـاني بن محمد القاسمي

عـدن: ٢١. أغسطس. 2025م.

.