عندما يلتقي غضب السماء بهشاشة الأرض .. عدن تشهد فصول المأساة وتتساءل: من المسؤول؟
مرة أخرى، تتحول شوارع عدن إلى مجاريّ عاتية، ومرة أخرى تعلو الصرخات نفسها: أين كانت التحذيرات؟ من يتحمل وطأة الكارثة؟ المشهد يتكرر بتفاصيل مأساوية متطابقة؛ منخفض جوي يفرغ غضبه على مدينة تئن تحت وطأة البنية التحتية الهشة والبناء العشوائي، وحصيلة أرواح تُزهق وممتلكات تُغرق في طين السماء والاستهتار.
لم تكن "صدمة" الطبيعة وحدها من اجتاحت أحياء العاصمة عدن، بل اجتاحتها أيضاً صدمة التساؤل عن جدوى التحذيرات المتكررة التي أطلقتها الأرصاد الجوية ليل نهار، وكيف أن أذناً صمّاء وآذاناً غافلة تلقيتها كمجرد "نشرة عابرة" في زحام الحياة.
في مشاهد لا تختلف عن أفلام الكوارث، أغرقت السيولُ كلَّ ما في طريقها سيما ما شُيد بمجاريّ الأودية وممرات الفيضانات الطبيعية. لقد حوّل التغير المناخي المتسارع، والذي يشهده العالم بأكمله، هذه المنخفضات الجوية إلى قنابل مائية موقوتة، لكن شظاياها في عدن لابد لها أن تترك بصمة مأساوية، وكان أمس البارحة حديث السيل في منطقة الحسوة حديث الساعة بتفاصيله الكارثية.
السؤال الأكثر إيلاماً المطروح الأن هو: كيف سُمح بهذا البناء العشوائي في الأساس؟ من منح التراخيص؟ ومن أغض الطرف عن تشييد هذه المباني في أماكن معروفة بأنها مسالك للسيول؟ يشير هذا الصمت الرسمي طوال السنوات الماضية إلى تواطؤ صريح بين سلطات منح التراخيص والمواطن الذي يبحث عن مأوى، بغض النظر عن مخاطره.
إنها معادلة معقدة يختلط فيها يأس المواطن الباحث عن سقف، بفساد أو إهمال المؤسسة التي يفترض أنها الحامي والحارس. النتيجة كانت جليّة اليوم: خسائر في الأرواح لا تعوّض، وممتلكاتٌ أصبحت أثراً بعد عين.
ها هي عدن تدفع الثمن غالياً. وفي دائرة اللوم المستمرة، تتبادل الحكومة والمواطن الاتهامات. تقول السلطات: "حذرنا مراراً ولم يسمع الناس". ويقول الناس: "لم تزودونا بخيارات آمنة، ولم تمنعوا البناء في هذه المناطق بشكل حازم". وتستمر الدائرة، بينما يجفّ الطين في المرة القادمة، ليعود الجميع إلى سباتهم، حتى ينزل الغيث مرة أخرى وتكرر الكارثة نفسها.
ما حدث في عدن ليس مجرد "منخفض جوي" عابر. إنه اختبار حقيقي لهشاشة التخطيط الحضري، وغياب استراتيجيات التكيف مع التغير المناخي، وتهاوي سلطة القانون في وجه البناء العشوائي. إنه صرخة يجب أن توقظ الجميع من سباتهم: حكومةً كانت أم شعباً.
فهل تكون هذه الكارثة هي الجرس الأخير الذي يُسمع؟ أم أن عدن ستستيقظ في المرة القادمة على نفس المأساة، في دوامة لا تنتهي من اللوم والخسارة؟
#عدن
#المنخفض_الجوي
#سيول_عدن
#التغير_المناخي
#البنا_العشوائي