الإصلاحـات لا تـكفـي "الرقـابـة ضـرورة"

     رغـم التقدم النسبي الذي شهدته المناطق المحررة مؤخرًا في جانب استقرار سعر صرف العملات الأجنبية، لا يزال المواطن اليمني البسيط يقف وحيدًا في مواجهة حلقة جشع لا ترحم، تبدأ من السوق ولا تنتهي عند غياب الرقابة.

     فقـد شهدت الأسـواق خلال الأشهر الماضية موجات تضخمية غير مسبوقة، تحت ذريعة تدهور العملة وارتفاع كلفة الاستيراد، إلا أن هذا المبرر ما عاد مقنعًا اليوم بعد أن سجل الريال اليمني تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار والريال السعودي.

     الغريـب – والمُؤلم – أن هذا التحسن لم ينعكس كما يجب على أسعار السلع والخدمات؛ فالتجار الذين سارعوا إلى رفع الأسعار مع كل موجة ارتفاع في سعر الصرف، يبدون اليوم تعنتًا غير مبرر أمام الانخفاض، متمسكين بحجة أن بضائعهم مخزنة ومشتراة بسعر صرف عالٍ، وكأن المواطن هو من فرض عليهم ذلك، أو أنه شريك في دورة المضاربة النقدية.

     ولأن السـوق لا يرحـم، فقد أصبحت الحاجة ملحة إلى رقابة حقيقية، لا شكلية؛ رقابة تبدأ من السلطات المحلية، وتُفَعّل فيها أدوات الضبط والمتابعة والمساءلة، ولا تتوقف عند إصدار تعميمات شكلية لا تجد طريقها إلى التطبيق، بل لا بد أن تمتد الرقابة إلى المجتمع نفسه، الذي ينبغي عليه أن يُعبّر عن رفضه لهذا الاستغلال المنظم، سواء عبر الضغط الشعبي أو الامتناع عن الشراء، إن أمكن.

     لسـنا ضد التـجار، ولكننا ضد الاستغلال، ولسنا مع فرض تسعيرة جبرية، ولكننا مع منطق السوق العادل، الذي يرتبط فيه السعر بعوامل التكلفة الحقيقية، لا بجشع المناسبات ولا فوضى الغياب الرقابي.

     إن الإصلاحـات الاقتصاديـة الأخـيرة، على أهميتها، لن تؤتي ثمارها ما لم تقترن برقابة صارمة تحمي المواطن من تغول السوق، وتعيد الاعتبار إلى مفهوم العدالة التجارية، الذي ضاع في زحمة الأزمات وتغييب الضمير.

ففي النهايـة؛

     لا معـنى لأي "تحسن" اقتصادي إن لم يشعر به المواطن في قوته، ودوائه، ووسائل حياته الأساسية.

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عـدن: 1. أغسطس. 2025م

.