صباح الخير.. "يا وطنا مستباحا"

من يتتبع مسار الحرب في اليمن منذ العام 2015 يدرك ان المسالة لم تكن يوما مجرد صراع داخلي او حرب استعادة شرعية بل كانت ساحة مفتوحة لتصفية حسابات اقليمية ودولية واعادة ترتيب النفوذ في جنوب شبه الجزيرة العربية.

احد ابرز شواهد هذا التلاعب ما جرى في معركة تحرير الحديدة عام 2018 حين كانت القوات المشتركة المدعومة من التحالف العربي على مشارف تحرير المدينة والميناء وهو ما كان سيشكل ضربة قاصمة للمليشيات الحوثية ويسقط عنهم احد اهم شرايين التمويل والدعم العسكري القادم عبر البحر الأحمر.

وما حدث حينها كان صادما فقد تصدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبتواطؤ بعض الأطراف الخليجية لمحاولة التحرير وفرضت من خلال الأمم المتحدة ما عرف بـ اتفاق ستوكهولم الذي لم يحقق سوى تجميد الجبهات واطالة الحرب  وابقاء الحوثيين مسيطرين على الميناء وتكريسهم كسلطة امر واقع.

في العلن تدعي واشنطن ولندن وبعض الدول الخليجية دعمهما للشرعية اليمنية وتطالبان بوقف الحرب وايجاد حل سلمي لكن في الكواليس تصرفاتهما كانت وما زالت تؤكد العكس اذ تعاملتا مع الحوثيين امر واقع يمكن استخدامها كورقة ضغط في ملفات اقليمية، خاصة تجاه إيران والخليج نفسه بين قوسين ازدواجية الخطاب بين العلن والخفاء.

تحالف الشر الدولي لا يريد لليمن ان ينهض كدولة مستقرة بل كرقعة رخوة تستخدم حين الحاجة في الصراع الاقليمي وكبوابة تحكم بالملاحة في واحد من اهم المضائق البحرية في العالم باب المندب.

اما بعض دول الخليج فقد تداخلت حساباتها بشكل لافت فبينما كانت تعلن دعمها للشرعية كانت على الأرض تدعم تشكيلات عسكرية موازية وتركز على اهداف سياسية  لتحقيق مصالحها بدلا من تحرير العاصمة صنعاء.

وفي الحديدة تعثرت المعركة ليس فقط بسبب الضغوط الدولية بل ايضا بسبب تضارب اولويات التحالف نفسه فالمصلحة الجيوسياسية لبعض القوى الخليجية تمثلت في منع اي طرف محلي من الاستقلال الكامل بالقرار بما في ذلك الشرعية التي تحولت لاحقا إلى كيان مهمش.

وهنا لا يمكن ان نتجاهل الدور السلبي الذي لعبته الأمم المتحدة التي تحولت من منظمة للسلام إلى اداة بيد الدول الكبرى لتعطيل الحسم العسكري تحت ذريعة الوضع الإنساني رغم ان تاخير تحرير الحديدة زاد من المعاناة واطال عمر الحرب حيث اصبحت الأمم المتحدة من منصة سلام إلى اداة تعطيل.

ما يجرى في اليمن جزء من سياق متعمد لـ إبقاء اليمن في حالة لا سلم ولا حرب طرف يستخدم للضغط على إيران واخر يستخدم لابتزاز الخليج وبعض دول الخليج تستخدم اذواتها لتحقيق مصالحها وشعب يدفن تحت ركام الخيانات والتدخلات والخذلان الدولي وتصبح اليمن رهينة التوازنات الدولية

اليمن اليوم بحاجة إلى صوت وطني حقيقي يدرك ان المعركة لم تعد فقط مع الحوثيين فقط بل مع نظام دولي ومستعمر جديد يجعل من ماسينا سلعة تفاوض ومن ارواحنا اوراق ضغط لا بد من كشف هذه اللعبة وفضح من يقف خلفها حتى لا تظل اليمن ورقة في جيوب الآخرين وبعيدا عن العدوان الصهيوني كمستخدم جديد الذي يتطلب قراءة سياسية منفصلة ومقالا مستقلا ، تتواصل محاولات تفكيك ما تبقى من مقومات الدولة اليمنية وتدمير بنيتها التحتية بشكل ممنهج على مراى ومسمع من العالم المتفرج.