تكريم… أم تصفية حسابات؟!
أكتب وأنا أبتسم ابتسامة سخرية، نصفها الثاني مبلل بالدهشة من قدرة البعض على تحويل أبسط خبر إلى محرقة جدل، وكأن الدنيا لم يتبق فيها غير حفلة تكريم فتحي بن لزرق لنتعارك حولها.
الخبر كان بسيطا: شرطة عدن تكرم صحفيين وإعلاميين، وعسكريين، وقضاة ومحامون، ونشطاء من اللجان المجتمعية، شاركوا في إنجاح أسبوع مكافحة المخدرات.
لكن بما أن بيننا هواة النبش والتنقيب عن أي مسمارٍ يمكن غرسه في ظهر النجاح، فقد تحول التكريم فجأة إلى محكمة شعبية، وصار فتحي بن لزرق في نظر البعض ليس صحفيا جنوبيا، بل خصما لدودا يجب محاكمته لأنه كرم وهو حي يرزق.
كأنّ التكريم أصبح جريمة، وكأنّد من كرم يجب أن يسأل:
"لماذا لم تكرموا فلانا؟ وماذا عن علان؟
الموضوع لم يكن عن شخص بعينه، بل عن كوكبة من الصحفيين الذين لم يناموا أسبوعا كاملا وهم يطاردون أخبار الحملات، ويكتبون ليل نهار ليصل صوت مكافحة السموم إلى الناس.
لكن عباقرة النقد عندنا لا يقرؤون الخبر كاملا، بل يلتقطون اسما واحدا ويحولونه إلى قميص عثمان، ثم يرفعون عقيرتهم،
"لماذا فتحي؟! وأين صاحبي فلان؟!"
في تلك الأيام كان هناك جيش من الصحفيين والإعلاميين، يهرولون خلف كل خبر، يحملون الكاميرا والدفتر والقلم، يعصرون الوقت ليخرجوا بسبق جديد.
ناهيكم عن محامين، وقضاة وعسكريين، وأمنيين، ورجال ونشطاء مدنيين.
أما أولئك الذين يصرخون اليوم "لماذا لم يكرم زعطان وفلتان؟" فغالبا كانوا وقتها يحتسون الشاهي العدني على ناصية مقهاية الشجرة، أو يتصفحون تعليقات الفيسبوك بحثا عن معركة مع أي جنوبي.
التكريم لم يكن مجاملة ولا صفقة سرية ولا من تحت الطاولة ، بل كان رد جميل لمن عملوا بضمير.
والأجمل من ذلك أن التكريم لا ينتقص من حق أحد، لكنه يذكرنا أن الأيادي التي تعمل تستحق أن تصافح، لا أن تصفع.
لكننا شعب لا يجيد الاحتفاء بالنجاح إلا على شكل حفلة جلد علني.
نجلس على مقاعد المتفرجين، نطالب بالتكريم ونحن لم نحضر المباراة أصلا.
أيها الغاضبون من تكريم الآخرين،
حين كانت الأسماء تسطر في قائمة المكرمين، أين كنتم أنتم؟ وأين كان فلان صاحبي وصاحبك، وكلهم على عيني ورأسي؟
ربما كنتم منشغلين بتوزيع نصائحكم المجانية على فيسبوك، أو تنقيح جملكم الاعتراضية:
"لماذا فتحي؟!"
إذن… مبروك لفتحي وكل من نال التكريم، وخالص التعازي لكل من ما زال يظن أن العالم سيدور حوله وحده.
الله المستعان