فكفكة مجلس القيادة الرئاسي والشكل الرئاسي القادم ؟!
لم يكن مفاجا تحرك رئيس مجلس القيادة د. العليمي إلى السعودية اليوم الجمعة ، تاركا خلفة عدد من التساؤلات المهمة ، حول مصير مجلس القيادة الرئاسي ، الذي يعمل من عدن ، في وقت سابق رعت السعودية ، في تاريخ 5 نوفمبر ما يسمى اتفاق الرياض ، جاء هذا الاتفاق من أجل ايقاف المواجهات المسلحة بين القوات المسلحة الجنوبية والحكومة اليمنية ، وتوحيد الجهود باتجاه الحوثيين .
فيما بعد وتحديدا في 7 ابريل ٢٠٢٢م تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ، وبهذا انتهى دور الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي ، وتم اختيار الدكتور رشاد العليمي رئيسا للمجلس وسبعة نواب ، كثير من المراقبين حينها أبدوا تشاؤم عظيم ، معتبرين أن هذا المجلس ليس بمقدوره إدارة الصراع ، وتوجيه الجهود نحو الحوثيين في صنعاء ، لسبب أن قيادته عباره عن خليط من رموز متنافره متصارعه ، وكل منها يحمل مشروع مختلف ، سينفجر في أي لحظة مع الآخر .
حقبة المجلس الرئاسي بقيادة د. رشاد العليمي كارثية ، وتمثل امتداد للفترة التي حكمها هادي ، حيث تدهورت العملة ، وزاد معدل الفقر في المناطق المحررة ، وازدات الجريمة المنظمة ، التي أودت بحياة كثير من القيادات العسكرية والأمنية البارزة ، وانتشرت بقوة تجارة المخدرات ، وتوقف صرف رواتب الموظفين في جميع المؤسسات الحكومية والأمنية والعسكرية للمناطق المحررة ، مما أدى إلى سخط شعبي عارم في العاصمة عدن ، خرج على أثرها الموظفين في وقفات احتجاجية كثيرة ، وامتدت هذه الاحتجاجات لتصل إلى بوابة معاشيق مركز قيادة الشرعية اليمني.
بعيدا عن العمل العسكري الذي حملته القيادة العسكرية للمجلس الانتقالي مرورا من أبين حتى شبوة وتأمين مواقع الثروة ، ومحاربتها أوكار الإرهاب ونجاحها في فرض واقع أمني مستقر لمسه المواطنيين هناك ، لكن في الاتجاه الآخر وتحديدا في دهاليز مجلس الوزراء كانت تمرر صفقات فساد كبيرة ، وتقاطع مصلح ، وترتيبات أسرية في وضائف حساسة ، وولاءات سياسية في مفاصل الشرعية اليمنية ، وبرز على أثر ذلك صراع التعيينات حديثا بين رشاد العليمي وعيدروس الزبيدي شملت على أثره لجنة لدراسة قانونية هذه القرارات ، وسابقا انتهى طابور من رؤساء مجلس الوزراء مابين إقالة واستقالة بتهم فساد كبيرة .
الخطورة في الأمر أن الصراع في مجلس القيادة الرئاسي برز للعلن ، وظهر جليا اصطفافات متنافرة ، برزت تراشخاتها في المواقع الإخبارية كتصريخات ، أخطرها ما ذهب إليه اللواء الركن فرج سالمين البحسني عضو المجلس الرئاسي (ورئيس فريق الشؤون العسكرية والأمنية في المجلس الانتقالي الجنوبي ) ، في بيان رسمي نشره البحسني يحمل فيه الدكتور رشاد العليمي مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في حضرموت متهما الرئيس بتعطيل قرارات اجمع عليها أعضاء المجلس ، وحتى لا تنزلق حضرموت إلى حافة الخطر لوح بأتخاذ إجراءات إحادية مع بعض الاعضاء اذا استمر هذا التعطيل .
في 3 ديسمبر ٢٠٢٥م بداءت عملية (المستقبل الواعد ) ونفذ البحسني وعيده ، أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي ، الهدف منها السيطرة على وادي وصحراء حضرموت وتحديدا سيئون التي تتواجد فيها المنطقة العسكرية الاولى ، والمتهمة بالاغتيالات ، وأيواء جماعات إرهابية ، وتعمل ايضا على تهريب الأسلحة والمشتقات النفطية إلى الحوثيين .
انتهت العملية بإخراج المنطقة العسكرية الاولى من قبل القوات الجنوبية إلى مأرب ، واستمرت القوات الجنوبية بالتقدم العسكري حتى رفعت الإعلام الجنوبية في منفذ شحن ، هذا المنفذ يعد تماس حدودي مع سلطنة عمان ، ونجحت القوات الجنوبية في السيطرة على المراكز الإدارية والاقتصادية في هذا الجزء من المحافظة وانتهى وجود قوات المنطقة العسكرية الاولى من وادي وصحراء حضرموت .
بالعودة قليلا إلى بيان الدكتور رشاد العليمي الذي نقلته وكالة سبأ الرسمية قبل مغادرته من قصر معاشيق إلى السعودية يتبين أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي بات معطل الإرادة ، ، ومقيدا بقوة نافذه على الأرض لا يستطيع التعاطي معها ، هذه القوة لها حضور عسكري قوي واستخباراتي ، وعلاقة ذات رضا من الأقليم ودول كبرى ، بات رشاد العليمي متهما أيضا اليوم من قيادات الشمال بالتواطؤ في اسقاط ماتبقى من المناطق الجنوبية بيد القوات الانفصالية وهذا مؤشر يرونه خطير ، ومنه يبداء العد التنازلي لنهاية مسمى الجمهورية اليمنية والعودة لما قبل ٩٠م .
القراءة الواقعية للمشهد السياسي تبين بوضوح ، أن رشاد العليمي حشر في زاوية ضيقة لا يستطيع فيها القيام بأي مناورات ، ثم من المستحيلات أن يرسم واقع للجنوب مغاير لما بعد ٣ ديسمبر ، وتصريحاته اليوم براءة ذمة أطلقها حتى لايقع في المسآلة التاريخية غدا من قبل الأحزاب اليمنية . الدكتور رشاد العليمي يعتبر واحد من طابور طويل السياسيين اليمنيين الذين فقد البوصلة للتحرك نحو صنعاء ، لكن السؤال المهم : هل سيتشظى المجلس الرئاسي بعد سقوط حضرموت بيد القوات الجنوبية ؟ وماهو التشكيل السياسي االذي سيقود المرحلة ؟ ...
نرى أن من السابق لأونه وفي هذا التوقيت فكفكة مجلس القيادة الرئاسي ، وإعلان شكل سياسي آخر لقيادة المرحلة ، لكن الواقع يتطلب تغيير قواعد التحرك ، بمعنى أن تحشد الجهود نحو صنعاء ، سقوط حضرموت بيد القوات الجنوبية لم يجعل أمام القوى اليمنية من خيارات سوى خيار واحد ، هو تحرير مناطقهم وصولا إلى صنعاء ، وهذا هو الدور القادم المناط لمجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي ، لكن السؤال المهم : هل هذه القوى اليمنية قادره على شحذ هممها نحو صنعاء ؟



