قضاء المليشيا يحمي الجاني ويترك الطفلة جنات بلا إنصاف.....

في بلدٍ أنهكته الحرب وفتكت به المليشيا، لم تعد الكارثة في القصف والجوع فقط، بل باتت الأخطر حين يتحوّل القضاء نفسه إلى شريكٍ في الجريمة، بل إلى غطاءٍ قانوني لانتهاك الطفولة والكرامة الإنسانية. تبرئة قيادي أمني حوثي من جريمة اغتصاب الطفلة جنات السياغي ليست مجرد قرار قضائي، بل فضيحة أخلاقية، وجريمة علنية، وصرخة في وجه كل يمني يقول: لا عدالة تحت سلطة الحوثي. بينما كان الرأي العام مشغولًا بجريمة اغتيال الشيخ صالح حنتوس في ريمة، وبأخبار اعتقال قياديين حوثيين في المهرة وعدن، مررت الجماعة واحدة من أقذر الجرائم بحق الطفولة والعدالة تبرئة المغتصب. لا لعدم كفاية الأدلة، بل لأن الجاني “قيادي حوثي”، أي أن المحاكمة كانت مسرحية، وأن القرار قد كُتب مسبقاً. أين القضاء ؟ لا قضاء هناك. فقط غرفة مظلمة، يجلس فيها “قاضٍ” يأخذ أوامره من مشرف أمني، ويصدر حكمه وفق ما تقتضيه مصلحة العصابة، لا القانون ولا الدين ولا الأخلاق. جريمة الاغتصاب بشعة بما يكفي لتهز أي ضمير حي. لكن في مناطق الحوثي، الضحية لا تُغتصب فقط جسديًا، بل تُغتصب معنويًا مرتين مرة على يد الجاني، ومرة أخرى على يد من يُفترض أنهم حماة العدالة. والنتيجة طفلة بعمر الزهر تُترك بلا إنصاف، وجاني يُطلق سراحه، وربما يُكافأ بترقية أو منصب جديد. أي وطن هذا الذي تتحوّل فيه المحاكم إلى مغاسل للجرائم ؟ أي منظومة هذه التي تحكم الناس باسم الله، ثم تحمي مغتصبي الأطفال باسم “الولاية” ؟ هل هذه هي “المسيرة القرآنية” التي يتشدقون بها ؟ أم أنها فقط غطاء لخيانة الدين والإنسانية ؟ تبرئة مغتصب الطفلة جنات السياغي ليس حادثاً معزولاً، بل هو تجلٍ لنظامٍ كامل قائم على تدمير الإنسان، وتحقير المرأة، وسحق الضعفاء. الحوثيون لم يعودوا فقط جماعة مسلحة، بل تحولوا إلى نظام جريمة منظمة، يمتد من رأس القيادة إلى أبسط موظف في محكمة أو قسم شرطة. لا أخلاق، لا قانون، لا حدود. من يدافع عن قاتل، سيحمي مغتصب. ومن يغطي على جريمة، سيصنع ألف جريمة بعدها. وهذا ما نراه يتكرر كل يوم في مناطق سيطرة الحوثي. أين منظمات الطفولة ؟ أين الجمعيات الحقوقية ؟ أين الأمم المتحدة ؟ هل يختلف دم الأطفال في اليمن عن أطفال أوكرانيا ؟ لماذا لا يهتز الضمير العالمي أمام طفلة تُغتصب ثم يُبرّأ مغتصبها فقط لأنه “حوثي” ؟ وهنا، لا بد من القول بصراحة: من يصمت على هذا الحكم شريك في الجريمة. سواء كان قاضياً، أو مسؤولاً، أو حتى إعلامياً. لأن الجريمة لا تقف عند الطفلة جنات، بل ستطال غدًا كل بيت يمني إذا بقي السكوت سيّد الموقف. تبرئة مغتصب الطفلة جنات السياغي هي شهادة وفاة رسمية لما تبقى من قيم في مناطق سيطرة الحوثي. إنها لحظة فارقة تكشف أن هذه الجماعة لا تحكم باسم الدين، بل تحكم باسم العصابة، وأن كل يمني في مناطقهم معرض للاغتصاب أو القتل أو الإخفاء دون أن يكون له حق حتى في البكاء. ما حدث ليس مجرد خبر عابر. إنه صفعة في وجه الضمير الإنساني. وعلينا أن نختار إما أن نرفع الصوت ونفضح هذا الظلم، أو نصمت ونقبل بأن تغتصب الطفلة التالية في صمت، ويُطلق سراح الجاني بابتسامة القاضي المأجور.......