العنف وتجهيل عدن 

في اطار العمل على ترشيح عدن مدينة تاريخية، كان لابد من زيارة المواقع الهامة التي تحفظ ارث وتاريخ هذه المدينة، وكانت مكتبة بأذيب الى جانب مركز الدراسات والبحوث في عدن هما ما تبقى من مواقع حفظ التراث المكتوب، من صحف ومجلات وكتب ومراجع وبحوث بل ومخطوطات تاريخية، كان لنا في صباح يومنا هذا الثلاثاء زيارة لنلتقي بالصديق والزميل والاديب عبد العزيز بن بريك مدير المكتبة، وعدد من مساعديه، ولم تكن هذه الزيارة الاولى، فقد كان لنا زيارات سابقة ونقلنا فيها الوضع المتدهور للمكتبة، وما تتعرض له الوثائق من اهمال عام للثقافة والقراءة والمكتبات، في ظل حرب لم تراعي مثل تلك الامور، ولا تهتم بالإرث والتاريخ ، بقدر اهتمامها بالصراع والسيطرة والتمكين العسكري، في ظل عسكرة كل شيء المذهب والقبيلة والمؤسسات والوظيفة، وحتى العقل، حيث لا مجال للفكر والتفكير ومنطق الامور.

في الوقت الذي يسود فيه العنف، يحاول الغاء العقل، فتكون الثقافة والارث والتاريخ في ادنى اولويات القائمين، مالم تكن انعكاسات خطيرة تدمر هذا المجال، ومن الصعب ان يفهم اهمية الثقافة والارث والتاريخ من امتطى سلطة بقوة العنف وادواته القبلية والمذهبية، والتي مازالت تقبع في صراعات ما قبل الدولة، وماسي التخلف والجهل والعصبية، لهذا وضع مكتبة باذيب يعكس حال الثقافة والقراءة والفكر والارث والتاريخ ومعاناتهم مع هذا الواقع الاسي، بأسى حال الوطن والمواطن.

لم يبخل علينا مدير المكتبة الذي حاول ان يحفظ ما هو مهم واهم من ارث وتاريخ هذه المدينة، في مجلدات كانت على مكتبه، نماذج لأول منشورات صحفية في خمسينات القرن المنصرم، حيث كانت عدن اول مدينة في الجزيرة عرفت الصحافة وكل جديد( علم وثقافة وفن)، والمؤلم ان هناك وثائق وكتب ودراسات ومخطوطات مهمله مرمية، غير محفوظة بطريقة امنة، ما يوجع القلب ان ترى تراث هذه المدينة مرمي في غرف ومغطى بالأتربة، وعرضة لغزو النمل الابيض والفئران، شعرت بغصة وتراث مدينتي وتاريخها لا يجد من يحميه ويصونه( وهو ثروة لا تقدر بثمن )، وكأن المخطط ذاته امتداد للتدمير القائم اليوم لفكرة الدولة، وكل ما يعني بتاريخ وارث وحضارة المدينة، وعندما لا تجد تجاوب، فالصمت هو الرسالة التي تؤكد كل شكوكنا، في تجريف تاريخ وارث عدن النموذج الذي ما زلنا نؤكد انه المخرج مما نعيشه، النموذج الذي يتعرض اليوم للتدمير، والعنف هو الوسيلة الناجعة لهذا التدمير، تدمير كنا نتوقع ان يتوقف بمجرد تحرير عدن، ليبدأ العقل يعيد هندسة الحياة، لتستعيد عدن القها ومكانتها، ارثها وتاريخها ونموذجها، لكن استمرار عسكرة الحياة هو استمرار لعملية التدمير. 

المسؤولين في وزارة الثقافة والسلطة العليا و المحلية على اطلاع بما يدور، ويعرفون الميزانية الشهرية للمكتبة ثمانية الف ريال فقط، لا تساوي قيمة حبة دجاج، انه عار على كل مسؤول وكل سلطة، بمبلغ هزيل يعكس هزالة السلطات المعنية بالمكتبة، ولا اعتقد انهم لم يزوروا المكتبة، لكننا كما عهدناهم يعطوك من طرف اللسان حلاوة، وبمجرد ما ان يغادروا الموقع، لا ترى من تلك الوعود شيئا يذكر، كم لجان نزلت، ولم تحقق أي انجاز يذكر، فالمخطط مرسوم بعناية وعليهم التنفيذ، وللأسف هذا هو الواقع المشهود، والمؤشرات تدل على كل ما نقول.

نسأل عن المؤسسة العامة للكتاب، وغياب للمعنيين عنها واهمال، مكتب مدفون بالأتربة، وثائق مرمية، كتب مهداه من دول ومنظمات مخزونة بطريقة غير امنة، لم يستفيد منها احد، موظفين لا يباشرون عملهم الا ما نذر، انه وضع مزري ومخزي ، في مدينة تتعرض للتجهيل، لا تعليم ولا ثقافة ولا كرامة لتراث وتاريخ الاسلاف، كل شيء ينهار امام اعيننا وسلطة غائبة عن الواقع، في بروج النعيم ، فثرنا على صنم لنصنع لنا اصنام.

ملاحظة : اثنا العودة للبيت شاهدت مظاهر مسلحة، وتحركات عسكرية وترهيب ، والقصة ان الزعيم الخلف قدم للبلاد، هذا ما تهتم به السلطة، وهل مثل هذه السلطة ستقدم لنا ثقافة وتعليم وتحفظ ارث وتاريخ، هذا هو المستحيل بعينه .

احمد حميدان