الامتحانات الوزارية.. غش علني ومخرجات هزيلة

في بلد انهكته الحروب لم تكن النيران المشتعلة وحدها ما يفتك بالمستقبل بل هناك دمار اكثر خطورة انه دمار التعليم والقيم ، لقد افرزت الحرب في اليمن واقعا مأساويا تدهورت فيه الاخلاق العامة وتفككت منظومة القيم واصبح التعليم والصحة في ذيل اولويات السلطات المتعاقبة رغم كونهما الركيزة الاساسية لبناء الإنسان والمجتمع.

منذ حرب 1994 بدات مرحلة تدمير ممنهج للتعليم والصحة وتم ضرب العمود الفقري للعملية التربوية وذلك بحرمان المعلم من حقوقه، تسوياته، وازدادت عمليات التوظيف العشوائي خصوصا بعد 2011، حيث دخل خريجي كليات لا علاقة لها بالتربية الى السلك التعليمي فتراجعت مخرجات التعليم بشكل كارثي.

ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تم التوسع غير المدروس في المدارس الخاصة التي يحصل بعضها على تراخيص دون توفر الحد الأدنى من الشروط التعليمية او البنية التحتية واصبحت هذه المدارس مشاريع استثمارية لا تربوية تقام وسط الاحياء دون اي تخطيط، وتفتقر إلى الرقابة والاشراف التربوي الحكومي ، علما كان سابقا اي توسع معماري استثناري ملزما بتخصيص مساحات للمستوصفات والمدارس والروضات وان تتبع ملكيتها للحكومة وليس مثل اليوم تتحول الى مدارس خاصة ومستوصفات خاصة ، غير ماحدث ويحدث بالمدارس الخاصة خارج الوطن جميعنا نتابعها كان بشان التراخيص او اثنا الامتحانات الوزارية والاشراف وقضايا الرسوم !!.

وسط هذا الخراب تجري اليوم الامتحانات الوزارية في بيئة تعليمية مختلة لا حضور للمعلم ولا التزام من الطالب بل إن الغش بات مشهدا علنيا، ووسيلة شبه رسمية للنجاح بعد سلسلة من الاضرابات واغلاق المدارس وعندما يحاول معلم فرض الانضباط، يواجه بالتهديد او التعنيف لتتحول القاعة الامتحانية الى حلبة فوضى ، فلا رقابة حقيقية ولا رهبة من العقوبة بل اصبحت الامتحانات مجرد اجراء شكلي لاستمرار دورة المصالح المرتبطة باللجان والسفريات والصرفيات والمصارعة السنوية على من يدير الموسم!

في هذا المناخ غير الصحي من الطبيعي ان يعزف خريجي الثانوية العامة من الالتحاق بكليات التربية وان يستمر المعلم في الاضراب ويفقد المجتمع ثقته في المدرسة فالتعليم لم يعد مسارا للتحصيل العلمي او الحراك الاجتماعي بل بات عبئا شكليا ، والغش اصبح نتيجة حتمية لغياب البيئة التعليمية والانفلات الإداري وتهميش الضمير التربوي.

ومن واقع التجربة ثبت ان اعتماد الدرجات التراكمية في التعليم الاساسي اتاح نوعا من الاستقرار والالتزام ، لذلك فإن الدعوة إلى الغاء الامتحانات الوزارية للثانوية العامة ليست ترفا بل ضرورة لإصلاح جذري الى ان يتم تصحيح وضع التعليم والمعلم .

ومن الحلول نقترح أن يتم اعتماد تقييم تراكمي يبدأ من:

نتائج الصف الأول الثانوي، الصف الثاني الثانوي، ثم

الفصل الأول للصف الثالث الثانوي، على أن يضاف اختبار نهائي داخلي تشرف عليه مكاتب التربية بالمديريات وتتم الرقابة بتبادل الادارات المدرسية والمعلمين للرقابة اثناء سير الامتحانات النهائية .

وبذلك يعاد للمدرسة دورها ويسترجع للمعلم هيبته ويلتزم الطالب بالحضور والجدية ويقل الغش تلقائيا لانه لا يمكن تزوير اداء ثلاث سنوات دراسية متكاملة.

نعلم ان هذا الطرح سيصطدم بمقاومة شديدة من المنتفعين من بقاء الوضع الحالي فهناك شبكة مصالح كاملة تعتمد على الفوضى من لجان، صرفيات، تنقلات تحت شعار "الامتحانات". لكن هذه المقاومة لا يمكن أن تبرر استمرار تدمير جيل كامل.

ويمكن الاستفادة من نماذج دول مجاورة مثل الأردن والمغرب، حيث يتم اعتماد التقييم المستمر، وتمنح المدرسة دورا مركزيا مع رقابة صارمة وعقوبات واضحة على الغش وتدريب متواصل للمعلمين.

بالاخير هذه ليست مجرد وجهة نظر بل صرخة من ولي امر وتربوي يراقب انهيار مستقبل ابنائنا. فالامتحانات الوزارية بشكلها الحالي لم تعد اداة تقييم، بل اصبحت اداة احباط وتكريس للفوضى، وان الاوان ان نتوقف، نعيد الحسابات، ونبدا باصلاح حقيقي يعيد للتعليم معناه، وللمعلم مكانته، وللطالب احترامه لمدرسته.

إن لم نصحح المسار الان.. فمتى؟

لن نقف مكتوفي الايدي، كون ارائنا لم تجد طريقها إلى الاستماع الجاد او التفاعل المسؤول فان صمتنا لن يطول وسنرفع صوتنا عاليا دفاعاعن حق ابنائنا في تعليم عادل ومؤسسات تربوية تحترم كرامة المعلم ومستقبل الطالب.