جـامعة عـدن في زمـن الحرب كيـف صمدت؟ وكيـف نكافئها؟

     فـي قلب وطـنٍ ممزقٍ، يئنّ تحت وطأة الحرب، ويقاوم الانهيار، وقفت جامعة عدن - ولا تزال - صرحًا أكاديميًّا شامخًا، ومؤسسةً وطنيةً أبت الانكسار وسط ركام المؤسسات المتساقطة.

     صـمدت في الوقـت الذي انهارت فيه أجهزة الدولة ومرافقها تباعًا، ورفعت راية العلم في ظرفٍ صار فيه الجهل ميسورًا، والمعرفة مكلفة.

     وفـي خـضم الفـوضى والاقتتال، لم تُغلق أبوابها، ولم يخفت نور قاعاتها، ولم يغادرها أساتذتها رغم ما أصابهم من تهميش وإهمال وتجويع.

     لـقد واصل المئات من الطلاب، ارتياد القاعات الدراسية بجيوب خاوية، وبيوت تفتقر لأبسط مقومات الحياة، يحملون على أكتافهم حلمًا بالتعلم ورغبة في التغيير، متمسكين برسالة نبيلةٍ رفضوا التفريط بها.

فكيف صمدت جامعة عدن؟

     لـقد صمدت بإرادة منتسبيها، بصبر أساتذتها، بعزيمة طلابها، وبإيمانٍ راسخٍ بأن التعليم ليس ترفًا، بل هو ضرورة وجودية.

     مـضت على دربٍ مليءٍ بالألغام، بـلا ميزانيات، بـلا صيانة، وبـلا حـوافز، لكـنها استـمرت؛ تضاعـفت في حقيقة الأمر التحديات، لكـنها لم تنـحنِ.

     كانـت، وما زالـت، مـنارةً للعـلم في زمنٍ عزّ فيه الأمل؛ خرجت من قاعاتـها كـفاءاتٌ في الطب والهندسة والتعليم والقانون والأدب والفكر، رغم كل الظـروف.

     شـكلت مـلاذًا للفـقراء الذين لا يملكون خيار الهجرة، ولا يملكون ترف الانزواء، وكان أساتذتها كالشّموع، يضيئون الدروب للآخرين، وهم ينطفئون في صـمت.

     واليوم؛ يفرض السؤال نفسه بإلحاح:

     كـيف نـكافئ هذه الجامـعة؟ كـيف نـردُّ لها جميلـها؟ وكـيف نـصون كرامـة من ظلّوا فيها صامـدين؟

     هـل من المقبول أن يستمر أساتذتنا بـلا رواتـب كافـية؟ بـلا تأمـين صحي؟ بـلا تـقدير أو تحفـيز؟

     أيمكـن أن نـظل نُشيد بأهمية التعليم، ونحـن نتجاهل مـعاناة من يحـملون أعـباءه؟

     إن الوفـاء لهذه المؤسسة؛ لا يكون بشعاراتٍ رنّانة، بل بقراراتٍ مسؤولة وجريئة، على رأسها:

- الارتقاء بالمكانة المادية والمعنوية للأستاذ الجامعي. 

- إصلاح بنية التعليم العالي. 

- توجيه الدعم الحقيقي نحو أهم مورد وطني "الإنـسان المتـعلم".

     لـقد صمدت جـامعة عـدن، لكـن استمرارها لن يكون مضمونًا، ما لـم ننتصر لها بالفـعل لا بالقـول.

     فـهل نبادر بتكريمـها قبل فـوات الأوان؟

    وهـل نـذود عن هذا الصرح الذي اخـتار الحـياة في زمـن المـوت؟

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عـدن: 10. مايو . 2025م.