لا تنـسونا مـن الدعـاء
فـي اليمن، لا تـمرّ الأيـام بل تنـزف.
فـي اليـمن، لا يُعدّ الوقـت بالساعـات، بل بالوجـع.
هـنا حيث يولد الطفل تحت أنين الحرب، ويكبر تحت ظلال الانقطاع، ويشيخ قبل أوانه بسبب صفوف الخبز وأنابيب الغاز الفارغة ودواء السرطان المفقود.
هـنا، حيث لم يعد السؤال "أين المستقبل؟" بل "هل سنعيش إلى الغد؟"
يعيـش المواطن اليمني اليوم محاصرًا داخل بلاده، تحاصره الأسعار من الشمال، وانقطاع الرواتب من الجنوب، والخذلان من كل الجهات، لم يعد يكفي أن تستيقظ باكرًا، أو تعمل بلا كلل، لأن لقمة العيش باتت مرهونة بقرارات في غرف مغلقة، لا يراها المواطن ولا يسمع عنها إلا آثارها في السوق والدواء والكهرباء.
لـقد أصبحت الكهرباء أمنية، والماء حلمًا، والراتب أسطورة من زمن ما قبل الحرب، تسرق الحرب أحلام الأمهات، وتدفن تحت الرماد آمال الشباب، وما بقي في الشوارع سوى أنين الأجساد المنهكة، ووجوه أكلها الغبار وملامح كادت تنسى الابتسامة.
تقـول لنا نشرات الأخبار، إن العالم يتقدم، وإن الذكاء الاصطناعي بات يحلّ محل الإنسان، ونحن -هنا- في اليمن لا زلنا نحلم بشبكة إنترنت مستقرة أو ببطارية شمسية لا تنطفئ فجأة وسط الظلام.
إنـنا نعيش في وطن تمزّقه التصنيفات والانتماءات الضيقة، بينما ينزف المواطن بصمت؛ وطن كلما هطلت فيه قطرة مطر، سالت معها الذكريات المؤلمة، وكلما هدأ القصف، علت صرخات الجياع.
يا سـادة القرار، ويا من تتحدثون عن السلام من قصور بعيدة، انزلوا إلى الشوارع، اسألوا العجوز التي تبيع أعواد النعناع لتشتري دواء الضغط، أو الطفل الذي يبيع الماء في تقاطعات المدينة بدل أن يذهب إلى المدرسة، اسألوا الأسر التي لم تعد تملك غير الدعاء، ولا تنتظر من أحد شيئًا سوى أن يقول: "نحن نشعر بكم".
نحـن لا نطلب المستحيل، فقط نطلب الحياة، نطلب أن تعود الجامعات والمدارس، أن تُفتح المستشفيات بكل طاقتها، أن تُدفع الرواتب بشكل منتظم، وأن تُحترم الإنسانية.
"لا تنسونا من الدعاء" .
فالدعـاء قد يكون آخر ما نملكه في هذا الوطن الموجوع.
أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 4. يونيو. 2025م.
.