في حضرة التفاهة: حين يتصدر الصخب وتُقصى الرسالة

حضرموت، تلك الأرض التي كانت ولا تزال شمساً ساطعة في سماء الثقافة والحضارة، من هنا خرجت أعظم الشخصيات العلمية، والفقهاء، والمثقفون الذين ساهموا في بناء تاريخ مشرف امتد لأجيال وأجيال، حضرموت ليست مجرد أرض أو منطقة جغرافية، بل هي رمز للعلم، والأخلاق، والتاريخ العريق، مدينة تخرج العلماء، وتفوح منها روائح الأصالة التي يفخر بها أبناؤها في كل مكان.

لكن اليوم، أصبح من المؤسف أن هذه المكانة العظيمة تُهدَر وتُطمَس تحت ضجيج التافهين الذين يتصدرون المشهد الإعلامي، أولئك الذين يُسمّون أنفسهم بصناع المحتوى، إلا أن محتواهم لا يتعدى كونه مروجاً للتفاهة والسطحية، ويستغلون منصاتهم لإشاعة الفوضى واستهلاك قيم حضرموت التاريخية العظيمة.

ماذا قدم هؤلاء لحضرموت؟
هل أضافوا شيئاً حقيقياً للمجتمع؟
هل أظهروا حضرموت كما هي، أرض العلم والكرامة، أم جعلوها مجرد ساحة للضحك الساخر والسطحية؟
الجواب واضح، فقد تحوّل هؤلاء إلى مجرد وسيلة لإضاعة الوقت، وعبث لا طائل منه، لا شيء من محتواهم يسهم في تعزيز هوية حضرموت أو تقديم رسالتها للعالم، بل إنهم أصبحوا يسخرون من القيم التي تمثلها هذه الأرض الطيبة من خلال تفاهة ما يقدموه.

في عالم اليوم، لا يمكننا أن نغفل عن تأثير المشاهير على فئة الشباب، هؤلاء الذين أصبحوا المنبر الإعلامي الاول الذي يوجه الكثير من الشباب، ويسيطرون على أوقاتهم بأفكار وأفعال لا تمت بأية صلة للقيم الأصيلة، من المؤسف أن من يُسمّون أنفسهم صناع المحتوى تحولوا إلى مسوخ إعلامية، لا يعترفون إلا بصوت الصخب، ويغرقون في السطحية، وقد أصبح لديهم عدد كبير من المتابعين لكن أين هم من خدمة حضرموت؟ أين هم من تعريف الشباب بتاريخها وحضارتها؟ الحقيقة أن أغلب هؤلاء لا يعترفون إلا بالتافه، ويلعبون على وتر اللاجدوى.

وبالحديث عن القروبات والمجموعات واللقاءات التي يخلقونها، فإنها تتحول إلى مساحات للتهريج والاستهتار، بدلًا من أن تكون هذه القروبات منابر حقيقية تُساهم في توعية الناس، وتعزيز التاريخ والثقافة، نجدها مليئة بالمحتوى الفارغ الذي يستهزئ بكل شيء، هذه المجموعات كانت تُفترض أن تكون ميداناً ثقافياً، لكنهم اختاروا تحويلها إلى مكان لنشر التفاهة، ما نراه اليوم من بعض هؤلاء المؤثرين هو تفريط حقيقي في مسئولياتهم تجاه المجتمع، هؤلاء لا يمثلون حضرموت ولا يمكن أن يكونوا ممثلين عن قيمها أو تاريخها، إنهم وبكل أسف يمثلون وجهاً آخر بعيداً عن الهوية الحقيقية لهذه المحافظة العريقة.

ومما زاد الطين بلة هو ما حدث يوم أمس من تصرفات غير أخلاقية، تجاسر فيها البعض على خلق الله، وتجرؤوا على سخرية عباداته وتقديم تصرفات منافية للأخلاق تحت اسم المزاح ما حدث لا يمكن أن يُبرر بأي حال من الأحوال، حتى وإن تم ذلك برضا الطرفين، ما يُعرض من تصرفات مستفزة على منصات الإعلام يؤثر بشكل مباشر على الشباب والمتابعين، الذين قد يرون في هذه التصرفات نموذج لهم.

هذه الأفعال ليس فقط حرية بل سقوط قيمي وأخلاقي إذا كانت حرية الرأي والتعبير حقاً مشروعاً، فلا يمكن أن يكون هذا الحق مبرراً لانتشار سلوكيات تسيء للخلقة الإنسانية وتسى للثقافة المجتمعية، وتُسيء لحضرموت ككل، إذا كان المشاهير اليوم يسحبوننا إلى الأسفل بهذه السلوكيات، فكيف نجازي من رفع من شان حضرموت؟

ونحن هنا نُطالب بضرورة فرض القوانين التي تجرّم مثل هذه الأفعال، لأنها تجاوزت الحدود ولم تعد مجرد فوضى على الإنترنت، بل أصبحت تشوّه صورة المجتمع الحضرمي، ولا يمكن أن تبقى هذه التجاوزات دون حساب، حتى وان كان ليس هناك نص قانوني واضح ينص على تجريم مثل هذه الأفعال، ولكن يجب أن يكون هناك تشريع قاطع ومعاقبة صارمة لكل من يعبث بالأخلاقيات، ويسخر من الآداب العامة، فهؤلاء أصبحوا منصة يروجون من خلالها للأفكار السلبية، وهم بذلك يؤثرون في الشباب بطريقة خطيرة.

إننا نُخاطب هنا مدير أمن ساحل حضرموت العميد مطيع المنهالي، ونطالبه باتخاذ موقف صارم ضد هؤلاء الذين يتجاوزون الحدود الأخلاقية ويشوّهون صورة المجتمع، هؤلاء ليسوا قدوة لأحد ولا يحق لهم أن يكونوا منبراً لأي فئة من فئات المجتمع، ومن حق كل حضرمي أن يُطالب بتطبيق العدالة ضد أولئك الذين يسيئون إلينا كمجتمع حضرمي، و يجب أن يتم إيقاف هؤلاء بشكل فوري، حتى لا يُستخف بالقيم الحضرميّة، وحتى لا تبقى جهات الأمن على هامش ما يحدث رغم اننا كنا على ثقة بان تتخذوا موقف صارم ضدهم، وإن التهاون معهم يعني أن الجيل القادم سيقلد هذه التصرفات الخاطئة ويُعتبرها طبيعية، وهو أمر في غاية الخطورة.

 وفي الختام نحن على يقين بأن الإجراءات اللازمة ستُتخذ، وأن الأجهزة المختصة ستقف بحزم في مواجهة هؤلاء الذين يعيثون فساداً في المنصات الاجتماعية، ويشوهون صورة حضرموت، كلنا ثقة بأن العدالة ستسود، وأن التافهين سيُوقفون تحت ذريعة مخالفة الآداب العامة، لأن هذا السلوك لا يمكن أن يُقبل من أي حضرمي شريف.