ما حاجتنا لمجلس النواب أصلا؟!..!!!..
نعم ، ما حاجتنا لمجلس نواب لم يعد يمثل سوى حقبة بائدة من التمديد والترف الباذخ على حساب شعب تتآكله الأزمات؟ مجلس لم يعد يشرع، لم يعد يراقب، لم يعد يعبر عن صوت ناخبيه، بل بات مؤسسة مترهلة، جاثمة على صدر الميزانية العامة، تقتات من أرزاق الناس كما تقتات الطفيليات من جسد حي لم يزل يحتضر...
طبعا منذ أن ضربت اليمن العاصفة السياسية الكبرى في 2014، دخل مجلس النواب في حالة سبات عميق، أقرب إلى الغيبوبة المستدامة.
لكنه، رغم خمول أعضائه وتقاعدهم غير المعلن، ظل يقبض رواتبه، ويحصل على امتيازاته، ويتلقى زيادات موازناته كما لو كان يعمل على مدار الساعة لصياغة مستقبل الأمة!..
بينما الحقيقة أن هذا المجلس أصبح أقرب إلى أرشيف تاريخي حي، يضم شخصيات تجاوزت مدة بقائها في السلطة حتى عمر الديناصورات المنقرضة!..
بل بينما يعاني المواطن اليمني من ارتفاع الأسعار وانهيار العملة ونقص الخدمات، يجد نوابه أنفسهم منشغلين بأمور "جلل" مثل إصدار التهاني بمناسبة رمضان! تلك التهاني التي تبدو وكأنها صادرة عن كائنات فضائية منفصلة عن الواقع، لا تشعر بالعبء الذي ينوء به الشعب، ولا تعبأ بأوجاعه. وكأن تهنئتهم هذه تسكن الجوع، وتطفئ العطش، وترمم ما تبقى من كرامة وطنية سحقتها الحروب والفساد والتواطؤ الدولي...
وإذا عدنا إلى الأرقام، نجد أن ميزانية مجلس النواب تضاعفت من 4 مليارات ريال في 2011 إلى أكثر من 7 مليارات و200 مليون ريال في 2014!..
فما الإنجازات التي تحققت مقابل هذه الزيادات؟ لا شيء سوى بيانات متثائبة، وتصريحات باردة، وجلوس مطول في فنادق الخارج تحت مظلة "اجتماعات مغلقة" لا تُسفر عن قرارات سوى تمديد بقائهم في المشهد السياسي بلا نهاية...
بمعنى أدق ما معنى أن يكون لمجلس النواب حكومة لا تستطيع تأمين حتى قاعة اجتماع على أرض يمنية؟ أي مهزلة هذه؟ كيف يمكن أن يثق المواطن بحكومة ومجلس تشريعي لم يتمكن حتى من الاجتماع في أي بقعة من اليمن، ولو حتى في مديرية نائية كحوف في المهرة؟..
والشاهد أنه منذ التبابعة حتى العصر الحديث، لم يشهد اليمن حكومة بهذا الضعف واللاجدوى، حكومة هائمة بلا هوية، ومجلسا تشريعيا بلا تشريع!..
وللتذكير ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تمديد مجلس النواب لنفسه بطريقة عبثية. ففي 2001، رفض الراحل العظيم فيصل بن شملان مهزلة التعديلات الدستورية التي مددت عمر البرلمان إلى 6 سنوات بدلا من 4، واعتبرها "خيانة كبرى لمن انتخبونا." كان الرجل يملك من النزاهة والجرأة ما يكفي ليقول: "لا يمكن تفصيل الدستور وفقا للأهواء والمصالح الفاسدة."..
لكن برلمان 2003 لم يكتف بذلك، فمدد لنفسه حتى 2009، ثم إلى 2011، ثم استمر في التمديد بلا خجل، كأنما صار كائنا خالدًا لا يموت، ولا يتبدل، ولا يتغير! حتى أن الشعب بدأ يتساءل: هل دخل هذا المجلس موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأطول برلمان "مُجمد" في التاريخ؟!..
يقال إن وجود مجلس تشريعي ضروري لضمان التوازن بين السلطات، لكن ماذا لو كان هذا المجلس ذاته هو أحد أدوات الفساد والتخدير السياسي؟ ..
وأليس من الأفضل التخلص من مجلس النواب الذي لا يقوم بأي وظيفة سوى استنزاف الميزانية، وتوزيع الامتيازات بالريال السعودي على أعضائه، والتفنن في إصدار بيانات لا قيمة لها؟!..
لنخلص إلى أن ما نحتاجه ليس برلمانا وهميا، بل حكومة فعالة، ومؤسسات تراقب وتخضع للمساءلة، ومجتمع مدنيا قادرا على ملء الفراغ التشريعي بدلا من تركه رهينة لمجموعة من الأشخاص الذين لم يعودوا حتى يحاولون إقناعنا بأنهم يعملون لصالح الوطن...
فلقد مضت 11 سنة من التمديد العبثي، والمراوغات السياسية، والتخاذل المزمن. ومع ذلك، لا يزال البعض يطالب بإعادة إحياء مجلس النواب بدلا من دفنه بكرامة!..
فيما المؤسسات التي تفقد شرعيتها، وتتحول إلى أعباء بدلا من أن تكون أدوات للبناء، يجب أن تختفي...
وإذا كان نواب البرلمان عاجزين حتى عن الاجتماع على أرض الوطن، فعليهم أن يسحبوا أنفسهم من المشهد نهائيا، ويتركوا المجال لليمنيين الحقيقيين الذين يؤمنون بأن السياسة ليست مجرد وسيلة لجمع الرواتب الفلكية من السعوديه، بل مسؤولية أخلاقية تجاه وطن لم يعد يحتمل المزيد من العبث والخذلان...
وبا ختصار شديد ..
فليرحلوا.. ويكفي هذا الشعب ما به!..