مجلس الواتساب اليمني تشريعات من قلب الجروب

في سابقة برلمانية لم تخطر على بال الشياطين وأعتى الأنظمة الديمخراطية، ولا حتى في جلسات "حشوس مقايل القات"، يمارس مجلس النواب اليمني مهامه الوطنية عبر واتساب! نعم، لا تتعجب عزيزي القارئ، فبينما ينشغل الكونغرس الأمريكي بقضايا الأمن القومي، والبرلمان البريطاني يناقش أزمات العالم، نجد نوابنا الكرام يتبادلون الملصقات ويحذفون بعضهم البعض من الجروبات.

قبل أيام، خرج علينا النائب شوقي القاضي بشكوى نارية عبر منصة X  معبّرًا عن استيائه لأن زميله المهندس محسن باصرة قام بحذفه من مجموعات النواب على الواتساب، وكأن القضية هي طرد عضو برلماني من القاعة، لا طرد مشترك في مجموعة تبادل نكت، ورسائل جمعة مباركة.

النائب الوحيد "المتقي ربه"  لم يجد سوى الاستشهاد بالآية الكريمة: "لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظُلم"، في إشارة واضحة إلى أن ما تعرّض له من طرد رقمي هو من أعظم صنوف الظلم في العصر الحديث، وربما يستحق جلسة طارئة في البرلمان (على منصة X طبعًا)، وفتح تحقيق برلماني داخل المنصة.

دعونا نتذكر، أن مجلس النواب اليمني لم تجرَ له انتخابات منذ 2003، ومع ذلك، لا يزال قائمًا بروح التشبث بالكرسي، كأنه أحد معالم التراث اليمني غير المادي. فبينما تبدلت حكومات وسقطت أنظمة وانتهت فترات دستورية، ظل نوابنا الكرام يمارسون سلطتهم التشريعية من داخل غرف الواتساب، ربما عبر "الرسائل الصوتية" أحيانًا، تحاشيًا لعناء الكتابة.

فكيف لمجلس لم يعد له وجود قانوني أن يناقش قضايا الناس؟ وكيف لبرلمان بلا جلسات فعلية أن يصدر قرارات؟ بسيطة جدًا عبر "اللايكات" و"التفاعلات" فكل مشروع قرار يُطرح في المجموعة يُقاس مدى قبوله بعدد إيموجي الإعجاب التي يحصدها! أما النقاشات الجادة، فغالبًا تنتهي بـ"تمت إزالة العضو من المجموعة" بدلاً من التصويت الديمقراطي.
نحن اليوم أمام معجزة برلمانية بكل المقاييس، فمجلس النواب اليمني تجاوز الزمان والمكان، وصار أول برلمان افتراضي في العالم، بلا مبنى، بلا قاعة جلسات، وبلا نواب على الأرض. فقط مجموعة على واتساب، يديرها المشرفون بكل حزم وديمقراطية.

وربما يأتي اليوم الذي يخرج فيه رئيس المجلس بخطاب للأمة، معلنًا أن الجروب تعرّض للاختراق، أو أن "المشرف" أغلق التعليقات، مما سيؤدي إلى تعطيل أعمال السلطة التشريعية في اليمن حتى يتم تعيين مشرف جديد.

أما الشعب اليمني، الذي انتظر 21 عامًا انتخابات جديدة، فليتحلَّ بالصبر، فقد يحتاج فقط إلى رابط الجروب ليسأل "أيش الجديد يا عم سلطان البركاني"؟

#مسخرة