الصحفي بين الحياد والنفاق الزائد عن اللزوم!

في بلادنا، الصحفي المحترم هو الذي يعرف كيف "يتوازن"، تمامًا كما تتوازن طاسة الماء فوق رأس راقصة في عرس شعبي، لا تسقط الطاسة ولا ينسكب الماء، حتى لو كانت الأرض زلقة بالحقيقة!

هناك نوعان من الصحفيين:

الأول، ذاك الذي يعتقد أن الصحافة هي عين الشعب ولسانه، فيطارد قضايا المواطنين ككلب بوليسي، ويعوي كلما شمّ رائحة فساد. هذا النوع مصيره معروف، إما التهديد بالنيابة العامة، أو التشهير، أو التخوين والعمالة.

الثاني، وهو "الصحفي الذكي"، يعرف كيف يختار كلماته بعناية، كيف يضع العبارات في ثلاجة النفاق السياسي، بحيث تبقى طازجة دون أن تزعج أحدًا. فهو لا يقول "الحكومة فاشلة"، بل "الحكومة تمرّ بتحديات صعبة". لا يقول "الفساد مستشرٍ"، بل "هناك بعض الاختلالات الإدارية". لا يقول "الناس جوعى"، بل "الشعب يعاني من بعض الضغوط الاقتصادية". وغالبا ما تجد عقله وقلمه مسكونان بجني إسمه "المؤامرة"، وهذا النوع بالذات، لا يواجه أي مشاكل، وبتعبير شعبي أدق (أموره باللبن) بل قد يحصل على مكافآت أيضًا، لأن "حياده" أقرب إلى الحياد عن قول الحقيقة!

"المنافق الذي يزين قبح الحكومة، كفنان تجميل يحاول إخفاء التجاعيد على وجه مومياء!"

في النهاية، الصحفي الحقيقي ليس محامي دفاع عن الحكومة، ولا موظفًا في قسم العلاقات العامة للدولة، بل هو عين الناس التي ترى ولسانهم الذي يتكلم. أما الحياد، فإن زاد عن حدّه، أصبح اسمه الآخر: الجُبن!

الله المستعان