أسباب الإلحاد والردة عن الدين: في المجتمعات الشيعية

كتب | عبدالكريم عمران
الإلحاد والردة عن الدين ظاهرتان معقدتان تتعدد أسبابهما، ولكن كثيرًا من العوامل المؤدية إليهما ترتبط بسوء تمثيل الدين، وتحريف مقاصده، واستغلاله لأغراض دنيوية وسياسية. فعندما يتحول الدين من كونه رسالة إلهية تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة، إلى أداة للتمييز والتسلط، أو وسيلة للثراء والسيطرة، فإنه يفقد مكانته الروحية، ويصبح منفِّرًا بدلاً من أن يكون مصدر هداية. وفيما يلي استعراض لأبرز العوامل التي تساهم في انتشار الإلحاد والردة عن الدين:
1- احتكار الدين وتحويله إلى امتياز سلالي وعنصري
إن من أخطر العوامل التي تؤدي إلى النفور من الدين هو احتكاره من قِبل فئة معينة تدّعي أنها الوحيدة المخوّلة بفهمه وتطبيقه واحتكار سلطته. فحين يتحول الدين من رسالة رحمة للعالمين إلى أداة تمنح امتيازات خاصة لسلالة أو عرق معين، فإنه يصبح وسيلة للظلم والتسلط، مما يجعل الناس يشعرون بأنهم مهمشون ومستبعَدون دينيًا، ويدفع البعض منهم إلى رفض هذا الدين باعتباره غير عادل.
2- فساد من يدّعون تمثيل الدين
من أهم العوامل التي تضعف الإيمان وتؤدي إلى التشكيك في الدين، هو تفشي الفساد في أوساط المتحدثين باسمه، سواء كانوا علماء دين، أو دعاة، أو شخصيات سياسية تتخذ الدين غطاءً لأفعالها. عندما يرى الناس هؤلاء القادة الدينيين يمارسون الكذب، والنفاق، والسرقة، والزندقة، ويسعون وراء المكاسب الدنيوية تحت ستار الدين، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة في الدين نفسه، واعتباره مجرد وسيلة لخداع البسطاء واستغلالهم.
3- الاتجار بالدين لتحقيق المكاسب الشخصية
حين يصبح الدين سلعة تُباع وتُشترى، وحين تتحول تعاليمه إلى وسيلة لجني الثروات وبسط النفوذ، فإن ذلك يخلق حالة من النفور العام تجاهه. فاستغلال النصوص الدينية لتمرير مصالح شخصية أو سياسية، وتحويل الشعائر إلى مناسبات لجمع التبرعات والثراء، يجعل الناس ينظرون إلى الدين على أنه مجرد غطاء للفساد، وليس رسالة سماوية تهدف إلى تهذيب الإنسان.
4- الازدواجية في التعامل مع الأحكام الدينية
عندما يُستخدم الدين بشكل انتقائي لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية، ويتم تطبيق الأحكام والنصوص وفقًا للأهواء والمصالح، فإن ذلك يولد حالة من الشك والتمرد على الدين. فمثلاً، يتم التشديد على بعض الأحكام عندما تتعلق بعموم الناس، بينما يتم التساهل معها عندما تتعلق بشخصيات نافذة أو جهات ذات نفوذ ديني وسياسي. هذه الازدواجية تجعل الدين يبدو وكأنه غير قائم على العدل، مما يدفع البعض إلى رفضه كليةً.
5- تناقض رجال الدين بين أقوالهم وأفعالهم
حين يدعو رجال الدين الناس إلى الزهد، بينما هم غارقون في الترف والفساد، وحين يطالبون الفقراء بالصبر بينما هم ينهبون الأموال ويستغلون السلطة، فإن ذلك يؤدي إلى اهتزاز صورة الدين نفسه في أذهان الناس. إذ لا يمكن للناس أن يقتنعوا بدين يُطلب منهم الالتزام به، بينما يراه البعض مجرد وسيلة لاستغلالهم والتحكم بهم.
6- تغليف الخرافة والبدع بغلاف ديني مقدس
انتشار البدع والخرافات تحت مسميات دينية يخلق حالة من التشويش على حقيقة الدين. فحين تُمنح الحركات الطائفية والمذهبية تسميات دينية مثل "الثورة الإسلامية"، "حزب الله"، "أنصار الله"، "المسيرة القرآنية"، وغيرها، فإن ذلك يؤدي إلى ربط الدين بهذه الجماعات، فإذا كانت هذه الجماعات تمارس العنف والاستبداد، فإن ذلك ينعكس سلبًا على صورة الدين نفسه، مما يؤدي إلى نفور الناس منه.
7- تبرير الظلم والاستبداد باسم الدين
حين يتم تبرير القهر الاجتماعي والسياسي، وإضفاء الشرعية الدينية على أنظمة ظالمة باستخدام نصوص وتأويلات منحرفة، فإن ذلك يؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي ليس فقط ضد الظالم، بل أيضًا ضد الدين نفسه الذي يُستخدم كأداة للتسلط.
8- تزييف صورة المجرمين والفاسدين بألقاب دينية مقدسة
حين يتم وصف أشخاص فاسدين أو مجرمين بألقاب دينية مثل "أولياء الله"، "أنصار الله"، "أحباب رسول الله"، ويتم تسويغ أفعالهم الإجرامية على أنها جزء من "المسيرة القرآنية"، فإن ذلك يؤدي إلى تشويه صورة الدين. فعندما يرى الناس أن الدين يُستخدم لحماية القتلة واللصوص، فإنهم يفقدون الثقة فيه وينفرون منه.
9- فرض المذاهب والتوجهات بالقوة والقهر
إجبار الناس على اتباع مذهب معين بالقوة، وقمع المعارضين بأساليب قمعية تصل إلى التضييق في المعيشة والابتزاز بالحرية والكرامة، يؤدي إلى رد فعل عكسي يجعل البعض يرفض الدين كليةً. فالدين الذي يُفرض بالقهر لا يمكن أن يكون مصدر طمأنينة أو قناعة، بل يتحول إلى أداة للقمع، مما يدفع الناس إلى معاداته بدلاً من الإيمان به.
10- تسييس الحروب الدنيوية وإلباسها ثوبًا دينيًا
استخدام الدين لتبرير حروب تهدف إلى السيطرة على الأراضي والثروات، وتسويغها بتأويلات دينية زائفة، يؤدي إلى خلق صورة قاتمة عن الدين، حيث يُنظر إليه على أنه وسيلة للتوسع والسيطرة، وليس رسالة للسلام والرحمة.
11- غياب التعليم الديني الصحيح وتغييب القدوة الصالحة
إغلاق دور القرآن، والسيطرة على المساجد، ومنع انتشار المعرفة الدينية الصحيحة، مع تغييب الشخصيات الدينية الصالحة والتضييق عليها، يؤدي إلى خلق بيئة من الجهل والتضليل، حيث يسهل اختراق العقول بالشبهات والإلحاد.
12- اختزال الدين في الطقوس والمظاهر الشكلية
عندما يُختزل الدين في الاحتفالات والمواكب والشعارات مثل "الصرخة"، "لبيك يا أقصى"، "جمعة رجب"، وغيرها، بينما يتم إهمال العبادات الأساسية والأخلاق، فإن ذلك يؤدي إلى حالة من الانفصال بين الدين كقيمة روحية، وبين التدين كممارسات شكلية فارغة، مما يدفع البعض إلى فقدان الإيمان به.
الخاتمة: إن السبب الرئيسي لانتشار الإلحاد والردة عن الدين لا يكمن في ضعف تعاليم الدين نفسه، وإنما في سوء تطبيقه واستغلاله من قِبل جهات تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية والسياسية. لذا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب إعادة الدين إلى أصله النقي، حيث يكون قائمًا على العدل، والرحمة، والمساواة، بعيدًا عن الاستغلال والتوظيف السياسي والطائفي.
#باحث