اليمنيون.. الهوية العصية على الاستعباد...


فتحي أبو النصر 

طبعا لم تكن الهوية اليمنية مجرد انتماء جغرافي، بل كانت على الدوام ذاتية تاريخية متجذرة، مقاومة لكل محاولات الطمس والاستعباد. 
اليمانيون الذين صنعوا حضارات شامخة كسبأ وحِميَر، والذين صاغوا أولى دساتير الدولة المنظمة في الوطن العربي منذ القدم، لم يكن لهم أن يقبلوا بأي قوة تحاول سلبهم إرادتهم أو فرض عبودية جديدة عليهم. ولأنهم أبناء مجد لا يقبل الترويض، فإن كل من حاول استعبادهم عبر التاريخ خسر في النهاية.
من هنا فإنه في عمق" الذاتية اليمنية "يكمن سر صمودها، فهي ذاتية ممتدة عبر التاريخ، ترفض القهر وتقاوم الاستبداد. 
نعم ، ليست مجرد ردة فعل، بل موقف أصيل يعبر عن الروح الحرة لهذا الشعب. فكما أسقط اليمنيون امتدادات الكهنوت الرسي والذي أستغل الدين سياسيا، وثاروا ضد الطغيان الإمامي في 1962، وأحبطوا كل مشاريع الهيمنة، فإن محاولات الاستعباد الجديدة التي تمارسها الميليشيات ال..حوثية ليست إلا امتدادا لمسار فاشل عبر التاريخ.
ثم إن الميليشيا التي تدعي امتلاك الحق الإلهي لحكم اليمنيين تحاول إخضاعهم، لكنها تفشل لأن اليمني ليس قطيعا يمكن قيادته بالسوط، بل كائن اعتاد الحرية وتقديس الكرامة. وحين تُسلب منه حريته، فإنه لا يستكين، بل يثور، يصرخ، ويقاوم. فقد جُبلت هذه الأرض على العزة، ولا يمكن أن تصبح ساحة للعبيد مهما حاول الطغاة.
والشاهد منذ فجر التاريخ، فإن كل من حاول أن يُحكم قبضته على اليمنيين اكتشف سريعا أنه اختار المعركة الخطأ. 
على إن لم يكن ذلك مجرد تكرار تاريخي، بل قانونٌ طبيعي نشأ من هذه الجغرافيا الوعرة، ومن هذه الثقافة العصية على الكسر.
في العصر الحديث، حاولت الإمامة طمس الهوية الجمهورية، لكنها انهارت أمام المد الثوري. وحين جاءت المشاريع الاستعمارية، اصطدمت بصلابة اليمنيين. واليوم، تسعى ميليشيا ال..حوثي إلى إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، إلى عصر السيد والتابع، لكنها حتما ستصطدم بذات الهوية اليمنية التي هزمت كل مشاريع الاستعباد.
وفيما يعتقد الح..وثيون أن بإمكانهم تغيير اليمني عبر القهر والتجويع، عبر خطاب ديني مزيف قائم على تقديس الأشخاص بدلا من المبادئ، لكنهم يتجاهلون دروس التاريخ. فاليمني الذي ثار على الاستبداد الملكي، وقاوم الإمامة، ورفض الهيمنة الأجنبية، لن يقبل أن يُسلب مستقبله باسم خرافات تجاوزها الزمن
بمعنى أدق ليس اليمنيون بحاجة إلى من يمنحهم الحرية، لأنهم أحرار بطبيعتهم، يعرفون طريقهم إلى الكرامة، ويؤمنون أن القهر مهما طال، فإن الفجر قادم لا محالة. واليوم، رغم المحن، يثبت اليمنيون أنهم عصيون على الكسر، يواصلون كفاحهم ضد الطغيان، ويؤمنون أن هذه الأرض ستظل كما كانت: مقبرة للطغاة، وموطنا للحرية، مهما حاول المستبدون أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء.

لنخلص إلى أن ما يحدث اليوم ليس النهاية. بل إن كل مشاريع الاستعباد التي مرت على هذه الأرض اليمنية المباركة انتهت إلى الزوال. واليمن الذي يواجه اليوم ميليشيا كهنوتية ليست مجرد ميليشيا مسلحة، بل مشروعا استعماريا مغلفا بعباءة دينية، لن يلبث أن ينتفض مجددا ليحطم هذه القيود، كما فعل أجداده في كل مرحلة من مراحل التاريخ.