الحضارة هي التي تنقصنا .. على طريق المؤتمر ....
بروفيسور / قاسم المحبشي ...
كل الكائنات البشرية ابناء الطبيعة والتاريخ بما فيهم الأنبياء والملوك فلا أحد من الكائنات المعروفة المحسوسة الملموسة ابن ملاك أو شيطان والطبيعة بوصفها واقعهم الأرضي الوحيد هي واحدة بالنسبة للجميع بما في ذلك سائر الكائنات المادية الأخرى ويشترك البشر مع الكائنات الحية في الحالة الانطولوجية عند الوضع الأصلي ( الكينونة في المكان والزمان وتنفس الأكسجين والأكل والشرب والنوم والتزاوج والتكاثر والخوف من الخطر ..) ويتميز الإنسان عن الحيوانات بالقدرة على التفكير والتعبير والإبداع والاختراع والصناعة والنظام وتلك الأخيرة هي مجال تمايز البشر بعضهم على بعض بوصفها حضارة أو تحضر فلا فرق أبدا بين افراد النوع الإنساني من ناحية بيولوجية كما هو الحال مع الكائنات الأخرى فضلا عن كون جميع الناس بوصفهم كائنات تاريخية اجتماعية لدهم ثقافة ودين وعمارة فما ينقص العرب مثلا ؟ هل الثقافة أو المدنية أم الحضارة؟ الأخيرة هي ما ينقصنا ولا قيمة للأرض والثقافة والدين والكثرة والتكاثر والتحف والآثار بدون قوة حضارية قادرة على تنظيم حياة الناس في مجالهم وحمايتهم فالحضارة هي القوة التنظيمية للتاريخ والثقافة هي القوة الإبداعية في التاريخ والمدنية هي القوة المادية في التاريخ والأمر ذلك فإن السياسة والتشريع والأخلاق هو جوهر الحضارة ولحمتها وسداها والعلم والأدب والفن هو جوهر الثقافة ولحمتها وسداها والزراعة والصناعة والعمارة هي جوهر المدنية ولحمتها وسداها. فلا حضارة بدون نظام سياسي عاد وقوي ومستقر ولا حضارة بدون قوانين وقيم واعراف تحفظ وتصون حقوق الإنسان الأساسية وتجعله يتمتع بحياته بكرامة وحرية. ومن الخطأ الاعتقاد أن الحضارة هي تلك الآثار والمعالم التاريخية التي تتعين في الصروح والمباني والادوات الاثرية المحفوظة في المتاحف والمدن التاريخية بل تكمن في القيم الثقافية التي بقت بعد نسيان كل شيء وبهذا المعنى تكون الثقافة بما تحتويه من عادات وتقاليد وقيم وافكار ومعتقدات هي روح الحضارة بوصفها تحضرا.
"فهناك فارق بين الحضارة كإنجاز عمرانى واقتصادى واجتماعى لشعب فى فترة زمنية معينة، والتحضر كحالة ذهنية (state of mind) توجه الإنسان وترقى بسلوكياته" ويرى عماد الدين شاهين أن معايير قياس الحضارات يكمن في موقفها من القيم الإنسانية الأساسية( حياة الإنسان وكرامته وحقوقه ؛ حق الحياة وحق العمل وحق الحرية وحق الاختيار وحق الاختلاف وحق القبول وحق الاعتراف وحق الاعتقاد وحق التفكير وحق التعبير وحق التسامح وحق السعادة ..الخ) فحيثما تحضر وتستوطن تلك الحقوق فاعلم أن ثمة حضارة وتحضر وحيثما تغيب تلك الحقوق فلا معنى ولا قيمة للحضارة المزعومة....



