رسالة إلى الإعلاميين وأصحاب المحتوى: لا تتاجروا بآلام الناس

ليس كل قصة تُروى، وليس كل موقف يستحق أن يكون مادة إعلامية أو محتوى لجذب المتابعين. هناك أناسٌ يعانون في صمت، وهناك من يسقط ثم يقف من جديد، فهل يُعقل أن يكون ثمن اعترافهم أو طلبهم المساعدة هو التشهير؟

يحكى أن شابًا كان يعيش حياة الضياع، يشرب الخمر ويفعل كل ما لا يُرضي الله، لكنه استيقظ يومًا وقرر أن يبدأ من جديد. ذهب إلى مجموعة من الشباب الصالحين، اعترف بذنوبه، وأعلن توبته، فاستقبلوه ورحبوا به.

كان يذهب معهم إلى المساجد ويشارك في الحلقات الدينية، لكنه لم يكن يعلم أن قصته ستصبح "مادة دعوية" تُروى في كل مكان. كلما وقفوا في مجلس أو تحدثوا عن التوبة، جعلوه مثالًا حيًا: "هذا الشاب كان يفعل كذا وكذا وكذا، لكنه الآن تاب". انتشر اسمه، وعُرف ماضيه، ولم يبقَ أحد إلا وعلم بتفاصيل حياته السابقة.

لم يعد بإمكانه المشي في الشارع دون أن يُشير إليه الناس، لم يعد يشعر بأنه شابٌ جديد يسعى إلى الطهارة، بل مجرد "قصة للتأثير". انسحب من المسجد، وعاد إلى عزلته، وعندما سأله أحد أصدقائه عن سبب غيابه، قال بحرقة:

"لقد فعلت كل المعاصي ولم يعلم بي أحد، لكن عندما قررت التوبة، فضحوني في كل مكان."

رسالة لكل من يساعد الناس

إن كنت تفعل الخير، فافعله لله، وليس لكسب الأضواء أو تحقيق سبق اجتماعي. لا تتاجر بآلام الناس ولا تجعل قصصهم وسيلة لإثبات أنك صاحب فضل. هناك من يطلب منك المساعدة وهو مكسور القلب، فلا تزيده كسرًا بجعل قصته مادة للحديث.

كم من شخصٍ أتى إليك محتاجًا، شكا لك ظروفه، أو طلب منك العون، فساعدته… فلماذا تذكر ذلك في المجالس؟ لماذا تقول: "فلان أتى إلى مكتبي"، و"فلانة اتصلت بي"، و"هذا الرجل شكالي ظروفه في الشارع"؟ أليس الستر أولى؟ أليس الإخلاص في الصمت أعظم؟

افعل الخير بصمت… فالله وحده من يُجازي العباد

إن كنت تريد الأجر، فليكن بينك وبين الله، بعيدًا عن الأعين والألسن. فالخير الذي يُعلن يُفقد شيئًا من بركته، أما الخير الذي يُخفى فهو الذي يُثمر ويرتقي بصاحبه. افعل الخير، وامضِ في طريقك، ودع الأثر يتحدث عنك دون أن تنطق بكلمة.

جلال باشافعي 

ناشط نقابي وسياسي جنوبي