"بين أحلام البدايات وواقع النكسة حكومات تتهاوى وأحلام تتبخر"

تتوالى الحكومات واحدة تلو الأخرى، ونحن كمواطنين نعيش لحظات الحماس والأمل مع كل بداية جديدة. نرى الوعود البراقة، ونسمع الخطابات التي تلمع كالنجوم في سماء الليل، لكنها سرعان ما تتحول إلى سراب يتبخر مع مرور الوقت. الكل يتحدث عن الإصلاح، عن محاربة الفساد، عن تحسين الخدمات، وعن أولوية ملف الكهرباء الذي يظل شوكة في خاصرة المواطن. لكن في النهاية، لا نرى سوى الأحلام الوردية تتحول إلى كوابيس يومية.

من "بحاح" إلى "بن مبارك"، مروراً بكل الحكومات التي أتت وذهبت، لم نلمس سوى النكسة المُعتادة. الكهرباء، التي يُفترض أن تكون حقاً أساسياً، أصبحت رمزاً للفشل الحكومي المتكرر. مؤسسة الكهرباء، التي كان يُفترض أن تكون مصدراً للنور، تحولت إلى مقبرة تبتلع أحلام المواطنين في عيش حياة كريمة. لم يعد هناك صيف بارد كما وعد "بن دغر"، ولا حتى شتاء دافئ. كل ما تبقى هو واقع مرير يعيشه المواطنون يومياً.

الفساد العدو الخفي الذي يقوض الأحلام

والذي يقف وراء فشل الحكومات المتعاقبة. ليس الفساد مجرد سرقة أموال عامة، بل هو نظام معقد يتغلغل في كل مؤسسات الدولة، من أعلى الهرم إلى أسفله. عندما تُسرق الموارد المخصصة لتحسين الخدمات، فإن ذلك يعني أن المواطنين سيعانون من انقطاع الكهرباء، ونقص المياه، وتردي الخدمات الصحية والتعليمية.

حتى عندما يتم الكشف عن حالات فساد، نادراً ما نرى محاسبة حقيقية للمسؤولين. هذا يخلق حالة من اليأس والإحباط لدى المواطنين، الذين يشعرون أن الفاسدين يعيشون في راحة بينما هم يعانون من تدهور الخدمات. الفساد ليس مجرد جريمة مالية، بل هو جريمة ضد الإنسانية، لأنه يحرم الناس من حقوقهم الأساسية في العيش بكرامة.

التصريحات الغريبة الهروب من الواقع

في خضم هذا الفشل، نسمع تصريحات غريبة من بعض المسؤولين الذين يبدو أنهم فقدوا الاتصال بالواقع. وزير الكهرباء، على سبيل المثال، يتحدث عن تقدم ملحوظ في المنتخب الوطني، وكأن الرياضة هي الحل لمشاكل الكهرباء والخدمات. مثل هذه التصريحات لا تعكس سوى التخبط وعدم الجدية في معالجة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون.

المواطنون لا يحتاجون إلى وعود كاذبة أو حديث عن إنجازات وهمية. هم يحتاجون إلى حلول حقيقية لمشاكلهم اليومية. يحتاجون إلى كهرباء مستمرة، ومياه نظيفة، وطرقات آمنة، وخدمات صحية تعمل بشكل جيد. يحتاجون إلى حكومة تتحمل مسؤوليتها وتعمل بجدية لتحسين حياتهم، لكن في نفس الوقت، المواطنون هم من يملكون القوة الحقيقية لتغيير هذا الواقع. من خلال المطالبة بحقوقهم، ومحاسبة المسؤولين، يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في إجبار الحكومات على تحمل مسؤولياتها.

لايوجد سوى حل يبدأ بالاعتراف بالمشكلة. الحكومة يجب أن تعترف بفشلها في إدارة ملف الخدمات، وأن تتحمل مسؤوليتها تجاه المواطنين. الاعتراف بالفشل ليس عيباً، بل هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح.