ادفع ثم ناقش

يبدو أن كهرباء محافظة لحج قررت أن تتبع مبدأ "الشفافية المعكوسة"، فبدلاً من أن توصل الكهرباء إلى الناس، قررت أن توصل الفواتير أولا، وعلى طريقة المقبلات في المطاعم الراقية، ثم تفاجئ بأنها هي الوجبة والطبق الرئيسي ولا شيء غيرها وخلف الفاتورة  مكتوب وبالخط العريض "بالعافية وسمك وآخر زادك". 
 نعم، أيها السادة، نحن أمام إنجاز فريد من نوعه: فواتير كهرباء بلا كهرباء!

في العادة، تأتي الفاتورة بعد أن تستهلك الكهرباء، لكن في لحج، الفاتورة تسبق الاستهلاك، وأحيانًا تأتي بدلاً منه! 
قد يظن البعض أن الأمر خطأ حسابي، أو خلل إداري، لكن الحقيقة أن كهرباء لحج ابتكرت فلسفة اقتصادية جديدة وهي أن "ادفع ثم ناقش" وإذا كنت من النوع الفضولي ورأسك ناشف وحبيت تسأل: "عن ماذا أدفع بالضبط؟"، فالإجابة بسيطة: "لا تشغل نفسك بالتفاصيل وما وراء التفاصيل، المهم أن تدفع وإنت ساكت وبالع لسانك!" 

في لحج الخضيرة، حتى الظلام لم يعد مجانياً، صار لدينا فاتورة رسمية للعتمة! وربما في المستقبل، سنشهد ابتكارًا جديدًا "فاتورة الشهيق والزفير"، لأنك  كمواطن أليف تحترم التعليمات لا بد أن تدفع ثمن كل شيء، حتى الأوكسجين الذي تتنفسه، وإلا ستجد نفسك محروماً من الهواء نفسه بأوامر عليا.

الطريف أن المواطن الذي لم يرَ الكهرباء منذ شهر، تلقى فاتورة رسمية، وكأن منزله يضيء كبرج خليفة، وعندما تجرأ وسأل عن مصدر هذه الأرقام الفلكية، جاءه الرد الصاعق: "هذه الفاتورة لروح الكهرباء التي كان من المفترض أن تصلك، لكنها تعطلت بفعل قاطع طريق" كما علمتنا أدبيات "الحكولة".

أما إذا فكرت في الاعتراض، فستجد أمامك خيارين إثنين لا ثالث لهما، إما أن تدفع وتسكت، أو أن تسكت وتدفع ورجلك فوق رقبتك، وفي الحالتين، الكهرباء لن تأتي، ولا تحلم بها مجرد حلم، لكنك ستكون قد أديت واجبك الوطني تجاه المؤسسة التي تعمل بلا كهرباء، وتصدر الفواتير بطاقة الرياح!

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة لكهرباء لحج على هذا الإبداع الفريد، ونتمنى لهم مزيدًا من التقدم في مجال "الجباية اللاسلكية"، لعلهم يصدرون لنا قريبًا فاتورة الضوء المنبعث من القمر، أو ضريبة على أحلامنا التي نحلم بها في العتمة.

الله المستعان