جـريمة الصـمت النـقدي "امتناع الصرافين عن البيع خنقٌ آخر للمواطن"
فـي خضم التغيرات الجارية على خارطة أسعار العملات الأجنبية، وفي وقتٍ تستبشر فيه الأسواق والمواطنون بتحسن سعر الصرف وعودة شيء من التوازن المالي، يصرّ قطاع واسع من شركات وشبكات ومحال الصرافة في المناطق المحررة على انتهاج سلوك غير قانوني ولا وطني، يتمثل في الامتناع المتعمَّد عن بيع العملات الأجنبية والاكتفاء بشرائها فقط، رغم التوجيهات الرسمية الصادرة من البنك المركزي اليمني والسلطات المختصة.
هـذا الامتناع لا يمكن اعتباره مجرد مخالفة إدارية عابرة أو قرارًا تجاريًا بحتًا، بل هو سلوك يُلامس حدّ الجريمة الاقتصادية التي تمارس عن سبق إصرار وترصد بحق المواطن والوطن معًا، إذ يؤدي إلى تعطيل عجلة التعاملات المالية النزيهة، وخلق سوق سوداء جديدة قائمة على التلاعب والاحتكار، في تحدٍ صارخ لأي إصلاحات اقتصادية أو مالية تعكف عليها الدولة.
إن بقـاء الصرافين في موقع "الشراء فقط" دون بيع، يعني عمليًا شللًا نقديًا، ويحوّل الريال اليمني من ورقة تعامل رسمية إلى عملة بلا وزن في كثير من التعاملات، خاصة في الأسواق التي لا تزال تسعّر بالريال السعودي والدولار الأمريكي.
والمواطـن، كما جرت العادة، هو الخاسر الأكبر دومًا، إذ يُمنع من الحصول على العملة الأجنبية لسفرٍ أو علاج أو تعليم أو حاجات إنسانية، ويُجبر على اللجوء لأسواق غير رسمية بأسعار مضاعفة أو عبر وسطاء.
أيـن دور الأجـهزة الرقـابية؟ وأيـن السلطات المحـلية من ضبط هذه الممارسات؟ وهـل يعقل أن تمر هذه الجريمة المالية بلا مساءلة أو عقاب؟
لا يكـفي أن يصرّ البنك المركزي على نشر أسعار صرف رسمية إذا لم تُلزم بها جميع شركات ومحلات الصرافة واقعًا وممارسة، لا شـعارًا فـقط.
إنـنا أمـام لحظة حاسمة تستدعي من الدولة أن تثبت قدرتها على إنـفاذ القانـون لا فقط في نصوصه، بل في سلوك أذرعها الرقابية ومواقفها التنفيذية، وأن تتعامل مع جريمة الامتناع عن بيع العملات الأجنبية باعتبارها سلوكًا معرقلًا للإصلاحات، ووجهًا آخر من أوجه الفساد المالي المنظم.
نـوجّه من -هنا- نـداءً عاجـلًا إلى قيادة البنك المركزي اليمني والجهات الأمنية والرقابية المختصة، للعـمل فـورًا على فـرض الرقابـة الصارمـة على كل الصرافين، وإيـقاف كل من يمتنع عن بيع العملات، وسحـب تراخيصهم، ومحاسبتهم وفقًا للقانون.
فالوطـن لا يُبنى بالصمت على الجرائم، ولا تُحـترم الدولة ما لم تُفرض هيبتها في الأسـواق قبل مكاتبها.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 6. أغسطس. 2025م
.