حينما تليق الهدية بالِمهدي والمهداة اليه..


كتب / بروفيسور قاسم المحبشي...

مهما كانت قدرات الأشخاص وإخلاصهم وطيبتهم فليس بمقدروهم الاهتمام ورعاية إلا أقاربهم وربما من يعرفونهم أما من يجهلونهم فلا يخطرون على بالهم أبدا! وهذا أمر طبيعي في العلاقات الإنسانية..

 ففي الحالة الطبيعية للحياة الأجتماعية نجد أن أفضل الاشخاص  هو الذي يحب عائلته ويساعد في رعايتها ونادرا ما تجد اشخاصا يحبوون جيرانهم بحيث لا ينامون ليلتهم قبل الاطمئنان على صحتهم أو لا يذهبون عملهم قبل مدهم بوردة الصباح..

 وبهذا المعنى يشتق مصطلح التسامح من الفعل اللاتيني يتحمل (Tolerate)، ونفس الكلمة (Toller Anza) تستخدم كمصطلح فني وهو حمل، تحمّل "بمعنى التعايش مع شيء، لا نحبه" أي أقصى درجة توتر يمكن لجسم ما تحملها قبل أن يصل إلى نقطة الانهيار. إذ أن من يتسامح يتحمل شيئاً ما يسبب له الضيق، بينما كان بمقدوره ترك الأمور تجري في اعنتها ايثار للسلامة..

 بيد أنه يتألم نظراً لتأذي مشاعره وإرباك عاداته في سبيل ان يعيش الاخرين اشباهه. وفي قاموس لاروس الفرنسي يعني التسامح Tolerance "احترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآراءه السياسية والدينية. فالعيش مع الأخرين لا يعني بالضرورة أننا نحبهم بل يستحيل التعايش بدون التسامح معهم وكل ثقافة لا تخلو من وجود التسامح بمعنى من المعاني ذلك لأن العيش يستحيل بدون تسامح بهذا القدر أو ذاك؛ فكل مجتمع لابد وإنه يمتلك معنى محدد أو تأويل ممكن لفضيلة ألتسامح ويمكن العثور على مثل هذا المعنى في الأقوال المأثورة والحكم الخالدة. يقول السيد المسيح (من لم يغترف منكم خطيئة فليرمها بحجر). أو حكمة الفلسفة الصينية: (لا يمكننا الاستغناء عن الآخر، ونحن الآخر بالنسبة له)، أو الحكمة التي تقول (أتبحث عن القشة في عين جارك، ولا ترى العارضة التي في عينك) والتسامح لا يعني أن نحب جارنا بل نحترمه والعيش مع الناس لا يستلزم (( معرفتهم)) ولا يستلزم التأكد من أنهم (( يعرفونك)) ... والحياة المدنية تنوجد عندما لا يجعل المرء من نفسه عبأ على الآخرين"..

 وبالخلاصة يمكن لنا التأكيد على أن المجتمع المدني بوصفه مجالاً للحياة العامة المستقلة عن العلاقات السياسية والروابط الشخصية وقيم السوق لا يمكن له أن ينمو ويزدهر ألا في ظل وجود دولة المؤسسات المنظمة بالدستور والقانون. وهذا هو سبب تفرق الدول الغربية. المؤسسات وحدها هل التي تتكفل بتنظيم حياة المجتمع ورعاية مصالحه من مؤسسة المؤسسات الحاضنة أقصد الدولة إلى أبسط مؤسسة مدنية فاعلة فليس بمقدور المجتمع المدني أن يولد وينمو ويزدهر بدون وجود قوة تحميه أو تبيح له فرصة الوجود الفاعل والديمومة...

الأشخاص يأتون ويذهبون أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكنها أن تستمر وتدوم إذا وجدت من يتعهدها بالحماية والرعاية والحفظ والصون. وهكذا بقت الدول التي تحكمها المؤسسات البروقراطية الحديثة مزدهرة منذ مئات السنين في العالم الحديث بينما كل النظم التي تمحورت حول الأشخاص منذورة بالخراب والزوال بزوالهم الحتمي..

 أنا أحترم الأشخاص ولكن لا أثق بقدرتهم على فعل إي شي جدير بالقيمة والاعتبار إذا كانوا لا يمتلكون مؤسسات مبنية على أسس قانونية عقلانية سليمة ! وفِي الثورات قل لي ما شعارك أقول لك من أنت وفِي السياسة قل لي ما هي مؤسستك أقول لك من أنت! والشعوب حالة ثورية عائمة وعلى النخب الفاعلة تقع مسؤولية تحويلها إلى حالة مؤسسية مستقرة ونحن الذي نقوم بشكّل مؤسساتنا باتباع جملة من القيم والاجراءات ثم تقوم هي بتشكلنا.الأشخاص يأتون ويذهبون أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا وجدت من يتعهدها بالحفظ والحماية والصون..

فكيف ما كانت مؤسساتنا نكون! ورغم ما في العالم من مآسي إلا إن ثمة هامش إنساني بوجود مؤسسات مدنية ودول تمنح الرعاية والاهتمام للأشخاص المهددين في بلدانهم الأصلية...

تداعت هذا الفكرة إلى ذهني وأنا استلم جاهز اللابتوب الجديدة الذي أهدته لي السيدة سيلكا من مؤسسة جيتلفري للأجهزة المحولة. قبل اسبوعين حدث خلل تقني في لابتوبي القديمة أكثر من عشرة سنوات ( توشيبا) فطلبت مهندس لإصلاحه وحينما شاهدته السيدة سيلكا قال لي : سوف اطلب لك لابتوب جديد فشكرتها وبعد اسبوعين استلمته من مقر الشركة ذاتها في هانجلو Hengelo ...

طبعا وصلت إلى العنوان في وسط المدينة بمساعدة الشاب الذكي الذي لم أره محمد العيسائي يحفظه الرحمن الرحيم. الذكاء الاصطناعي لم يترك لاحد حجة أو ذريعة.استقبلتني مديرة الشركة سيمون فال بتقدير واحترام وعرضت علي الأجهزة المتاحة عندهم واستقر اختياري على هذا الجهاز المتوسط الحجم شركة ( DELL) لم تحسسني بإنه مكرمة بل منحة مستحقة وهذا هو الفرق بين عمل المؤسسات في الدول المحترمة وأفعال الإشخاص العربية المعاصرة. شكرا مؤسسة جيتفليري والشكر موصول للسيدة الرائعة سيلكا فان جوخ...