البروفيسور محمد عمر باناجة: القامة الأكاديمية التي حوَّلت التحديات إلى إنجازات
في عالم الأكاديميا والاقتصاد، حيث تشتدُّ المنافسة، وتتعقد التحديات، تبرز أسماء قليلة تترك بصماتها العميقة في جدار التاريخ، ليس فقط بعلمها الواسع، بل بحنكتها الإدارية ونزاهتها الوطنية. ومن بين هذه الأسماء، يأتي البروفيسور محمد عمر باناجة كشعلةٍ من العلم والقيادة، ورجلٍ حوَّل الصعاب إلى سُلمٍ يصعد به نحو العطاء المتواصل.
ومنذ أن وطأت قدماه قاعات الدرس في جامعة عدن، عُرف البروفيسور باناجة كأستاذٍ جليلٍ، جمع بين عمق المعرفة وحكمة التطبيق. فلم تكن محاضراته مجرد نقلٍ للمعلومات، بل كانت ورشاً فكريةً تُخرِّج عقولاً قادرة على التحليل والابتكار. وتدرج في المناصب الأكاديمية بجدارةٍ نادرة، فترأس الأقسام العلمية عدة مرات، وتولى منصب نائب العميد أكثر من مرة، حتى استحق بجدارةٍ أن يتولى عمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث قاد الكلية ببراعةٍ قلَّ نظيرها.
ولم تكن إدارته تقليدية، بل تميزت برؤيةٍ استراتيجيةٍ حوَّلت التحديات إلى فرص؛ فحينما تعقدت المشاكل الأكاديمية أو تشعبت الخلافات حول تفسير اللوائح، كان البروفيسور باناجة هو المفتاح السحري الذي يُحتكم إليه، نظراً لفهمه العميق للنظم الجامعية وقدرته الفذة على التوفيق بين الأطراف.
كان البروفيسور باناجة حلقة الوصل بين مختلف الكيانات الأكاديمية، فحينما تعجز اللجان عن إيجاد حلولٍ للمشاكل العالقة، كان يُكلَّف برئاسة لجانٍ خاصةٍ لحلِّها، وذلك لما يتمتع به من حكمةٍ وموضوعيةٍ ونزاهةٍ. وكما يشهد التاريخ، فقد كان أحد أعضاء مجلس الدراسات العليا بجامعة عدن، حيث كان صوته يحمل وزن الحجة والمنطق، وكانت آراؤه تُحسم الخلافات بإنصافٍ وحياد.
ولعلَّ أبرز ما يميز الرجل هو الضمير الوطني الذي يعلو فوق كل الاعتبارات، فلم يكن يوماً منحازاً إلا للحق والمصلحة العامة. وقد شهد له زملاؤه بأنه كان مرجعية أخلاقية يُستند إليها في أصعب القرارات، مما جعله أحد أعمدة الجامعة التي لا تُهدم.
لم تقتصر إنجازات البروفيسور باناجة على الجانب الأكاديمي، بل امتدت إلى الساحة الاقتصادية، حيث تولى منصبا في البنك المركزي، وكان من الكفاءات التي أثبتت كفاءةً متميزة في إدارة الملفات المالية ولم يكن هذا المنصب إلا تتويجاً لمسيرةٍ حافلةٍ بالعطاء، حيث يُعد أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين الذين قدموا رؤىً استراتيجيةً ساهمت في استقرار المؤسسات المالية.
بل إن الكثيرين يرون أنه يستحق مناصب أعلى لكفاءته، ونظراً وخبرته الواسعة وسجله النظيف، ولما يتمتع به من هدوءٍ وحكمةٍ في إدارة العمل بإتقان.
لا يُقاس عطاء الأستاذ الجامعي فقط بما يقدمه من أبحاثٍ أو مناصب، بل بما يزرعه في تلاميذه من علمٍ وأخلاق. والبروفيسور باناجة هو أحد هؤلاء الأساتذة الذين صنعوا أجيالاً من الباحثين والعلماء، الذين يحملون اليوم مشاعل العلم في مختلف المجالات. فبإخلاصه وتفانيه، كوَّن مدرسةً فكريةً واقتصاديةً تُخلِّف وراءها إرثاً معرفياً ضخماً.
وفي الختام أن البروفيسور محمد عمر باناجة أيقونة النزاهة والعلم
في زمنٍ تكثر فيه الأصوات وتقلُّ فيه الرموز، يبقى البروفيسور محمد عمر باناجة انموذجاً فذاً للأكاديمي القائد، والاقتصادي الحكيم، والوطني الغيور. إنه الرجل الذي جمع بين العلم والعمل ورفع سقف النزاهة إلى أعلى المراتب.
إن التاريخ سيسجل - بلا شك - أن البروفيسور باناجة كان رجل المراحل الصعبة، الذي حوَّل التحديات إلى انتصارات، وترك وراءه إرثاً لا يمحوه الزمن.