صحفيون تحت خط الراتب.. وتحت رحمة حكومات الاغتراب
كنا نحسب أننا نعمل في مطابخ القرار، فإذا بنا نُسلق في قدور النسيان.
كنا نظن أن انتماءنا لمواقع رئاسة الوزراء يعني أننا في القلب، في البؤبؤ، في العين نفسها، فإذا بنا مجرد "هوامش تحريرية" قابلة للمحو بنقرة وزير أو غفلة مسؤول.
نحن الصحفيون العاملون في مطابخ دولة رئيس الوزراء، نكتب الأخبار الرسمية، ننقّح التصريحات، نصيغ التوجيهات، ونشحذ الكلمات، نجمّل البيانات ونستعذب الخيبات، ومع هذا لا نتقاضى أجورنا منذ سبعة أشهر.
والسبب؟ لأننا في "رئاسة الوزراء"، وبالذات في "قسم المواقع"؛ أي أننا لسنا تلفزيونًا ليظهر وجهنا، ولا صحيفة لتُطبع معاناتنا، نحن مجرد أيقونات على الواجهة الخلفية للدولة.
يا معالي رئيس الوزراء، لقد دخلنا موسوعة غينيس لأطول "صبر مهني غير مدفوع الأجر"، وباتت بطوننا تعرف شكل الجوع بألوانه الأربعة، وتطورت حاسة شمّنا لدرجة أننا نُميّز رائحة الراتب حين يمرّ على غيرنا، دون أن يلامس جيوبنا الفارغة.
في العيد، صُرف للجميع، بما فيهم المطبلون من خارج الطاقم، إلا نحن، كأننا كتبنا عليكم ألّا ترونا، أو كأننا كتبنا: "نحن لسنا هنا".
زملاؤنا في الخارج يتقاضون رواتب بالدولار، ونحن في الداخل نتقاضى.. لا شيء.
حتى الحبر بات رفاهية، أما الإنترنت فصرنا نستعيره من الجيران، ونكتب الأخبار بخلفية: "مقيد مؤقتًا".
أيها الرئيس، نحن لم نعد نطالب برواتب، بل نطالب بحق العيش بكرامة؛ أن نأكل لقمة دون سؤال أو استجداء، أن ندفع إيجارًا دون طرد، أن نشتري دواءً دون دَين، أن نحيا دون خجل أمام أطفالنا الذين يتساءلون كل يوم:
"بابا، أنت موظف ولا لا؟"
معاليك، نحن لا نطلب "حوافز" ولا "بدلات سفر"، ولا نريد سفريات ولا اجتماعات، نحن نطلب حقنا المعلّق منذ سبعة أشهر على شماعة: "راجعونا لاحقًا".
والغريب أننا نعمل في مؤسسة يُفترض أنها "عقل الحكومة"، فإذا بالعقل لا يتذكّر أطرافه، وإن تذكّر، فلا يصلها الدم.
نحن لسنا أقل من زملائنا في قناة عدن، ولسنا أضعف من زملائنا في الرياض.
الفرق الوحيد أن صراخنا لا يصل إلى مكاتبكم المكيّفة، مع أن عملنا الصحفي يلامس همّ الوطن من الداخل، لا من أبراج الرياض، ومصيبتنا، وحظنا العاثر أننا نحن في قلب الحدث، وخارج خارطة الصرف.
لكم الأمر يا معالي الرئيس..
إما أن تدفعوا رواتبنا، أو تدمجونا ضمن برنامج الأغذية العالمي، مع تخصيص فقرة لنا في نشرات الأخبار تحت عنوان:
"صحفيون تحت خط الراتب.. وتحت رحمة حكومات الاغتراب".