الباراديغم أو أختلاف زاوية الرؤية..
•• بروفيسور / قاسم المحبشي..
قبل توماس كون استخدم الفيلسوف النمساوي «لودفيغ فيتغنشتاين» صورة الأرنب والبطة في كتابه الذي نُشِرَ بعد وفاته، «تحقيقات فلسفية» (1953)، لتوضيح ما يسميه الفلاسفة «الإدراك الظاهري».يمكننا رؤية الصورة بطريقتين: أرنب أو بطة. ونستطيع تحديد ما نود أن نراه. إذ يمكننا أن نقول: «لو نظرنا إليها من هذه الزاوية، فهي بطة، ولو قررنا النظر من الزاوية المعاكسة، فسنرى الأرنب». الصورة على الورقة تبقى كما هي، ولكن الصورة التي تظهر أمام عقلك هي التي تتغير..
ومن المعلوم أن الناس يدركون العالم وهو واحد للجميع من زوايا نظر مختلفة نابعة من انماط علاقاتهم الاجتماعية التي تشكل رؤيتهم الكلية للعالم.إننا نشكل معتقداتنا بناءً على ما نستقبله في العالم من خلال نافذة إدراكنا. لكن هذه المعتقدات تعمل كعدساتٍ،..
إذ تركز فقط على ما تريد رؤيته.كذلك، فإننا ننظر إلى عملية اتخاذ القرارات باعتبارها موضع التحيز الرئيسي، لأننا إذا فكرنا في جوانب الإدراك التي تسبق قراراتنا، سنجد أننا أولًا ننتبه، وعملية الإنتباه هي التفكير في ما تسمح لعينيك بالنظر إليه. نعيش في عالمٍ ملئ بالاحتمالات، وأي شيء ننظر إليه يمكن أن نفسره بطرائق مختلفة..
لذلك، في واقع الأمر، نكون بين خيارين طوال الوقت: أن نرى البطة أو الأرنب. يقترح «يورغن كورمنير»، من معهد فرونتير إيريز لعلم النفس والصحة العقلية في ألمانيا، أننا حتى لو لم نلاحظ البطة والأرنب، فإن أدمغتنا سجلت وجود حيلة بصرية في الصورة دون وعي، وقررت عدم إخبارك بذلك...
وبحسب هذه الفكرة، فإن عقولنا مشاركة في الخدعة هي الأخرى، بينما تظل أنت وحدك مخدوعًا. وما دام الله واحد والكون واحد والأرض واحدة وآدم أبو الناس جمعهم وحواء أمهم فلابد لهم من التساؤل المستمر بشأن اختلاف إدراكم للصورة ذاتها أحدهم يراها بطة والأخر يراها أرنب أحدهم يراها فرصة حياة والأخر يراها فرصة موت أحدهم يراها فتنة والآخر يراها نعمة أحدهم يراها شابة والأخر يرها عجوز ..الخ ..
وهكذا كل يوم تزداد حاجتنا الى الجشطالتية اقصد النظرة الكلية للكون والله والعالم والتاريخ والحضارة والمشهد الراهن للعالم الذي بات أشبه بالقرية الكونية الصغيرة بفضل ثورة المعلومات والاتصال التي أنجبت العولمة بعد إنكماش الزمان والمكان وتقارب الناس وتداخل المصالح وتزايد الاتصالات والارتباطات بين البشر افراد وشعوبا ودول وثقافات وحضارات وتشابك المجالات المحلية والأقليمية والعالمية والتفاعل والتأثير والتأثر بين الجميع في خضم هذا العالم المعولم..
هذا التحدي الوجودي التاريخي يستدعي استجابة عقلانية في تغيير البارادايم أي نمط الرؤية الكلية للعالم بتشابكاته. والبشر الذين عجزوا عن تغيير نظرتهم الكلية للعالم والتاريخ بالأتساق مع الباراديم الراهن مكتفين بالنظرة التقليدية القديمة الضيقة التي لا تتجاوز أرنبة أنوفهم سيجدون انفسهم خارج السرب والسياق والتاريخ والعصر .أنا شايفها حاجة ثانية وأنتم كيف شايفينها؟!..