خيانة المسؤول لأداء اليمين الدستورية

في أغلب الأنظمة الديمقراطية، يعتبر أداء اليمين الدستورية من اللحظات الحاسمة التي يتعهد من خلالها المسؤولون بتطبيق الدستور و إحترام القانون و الإلتزام بقيم العدالة و المساواة؛ وهو يُعتبر من أقدس الطقوس التي يمر بها المسؤولون عند توليهم مناصبهم، كون هذا اليمين ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو عهدٌ والتزامٌ أخلاقي وقانوني تجاه الشعب والدستور.

     ومع ذلك؛ فإن خيانة هذا اليمين، يُعد واحدة من أخطر الانحرافات التي يمكن أن يرتكبها مسؤول، ويفضي إلى تداعيات قانونية و سياسية خطيرة تؤثر على نزاهة النظام السياسي القائم في الدولة، و تضر بثقة الشعب بهِ. 

     ومما سبق؛ سوف نتناول آثار خيانة المسؤول لأداء اليمين الدستورية من زاويتين "القانونية و السياسية".

     فاليمين الدستورية، تُعرف على إنها: "تعهد قانوني و شرفي يؤديه المسؤول عند توليه منصبًا عامًا، حيث يلتزم بموجبها بالعمل بما يتوافق مع مبادئ الدستور و حماية القوانين الوطنية". كما أنهُ عبارة عن "تعهد رسمي يقسم فيه المسؤول على إحترام الدستور و قوانين الدولة، و العمل بضمير و أمانة لخدمة المصلحة العامة". 

     فهذا التعهد أو الإلتزام ليس مجرد شكل، بل هو أساس شرعية الحكم و ضمانة لاستقرار المؤسسات في الدولة، فمن خلال اليمين، يعلن المسؤولون صراحتًا بأنهم سيكونون حُراسًا للدستور و القانون و حُماةً لحقوق المواطنين. 

     لكن عندما يخون المسؤول هذا العهد أو الإلتزام؛ فإننا أمام مسألة قانونية حساسة قد تستدعي محاسبة قضائية و تنفيذية وفقًا لآليات دستورية محددة.

     فمن الناحية القانونية، خيانة اليمين الدستورية، يُعد خرقًا جادًا للأمانة الوظيفية، وقد يعرض الشخص المسؤول للعقوبات القانونية، التي تختلف طبقًا للأطر القانونية لكل دولة، وتتراوح بين المحاكمة الجنائية و العزل من المنصب إلى العقوبات المدنية.

     ففي شأن المساءلة القانونية، فإن بعض الدساتير، تمنح سلطات خاصة لمحاكمة المسؤولين المتهمين بخيانة اليمين الدستورية، خاصة إذا كان التصرف الصادر عنهم يشكل تهديدًا للسلامة العامة أو النظام الدستوري، وفي حالات معينة، تتضمن الإجراءات القانونية سحب الثقة من المسؤول من خلال البرلمان أو المؤسسات الرقابية فيها.

     فعلى سبيل المثال؛ في الولايات المتحدة الأمريكية، يخضع الرئيس أو المسؤولين الحكوميين لعقوبات في حال ارتكابهم خيانة للأمانة الدستورية، والتي تشمل محاكمة جنائية، أو عزل بموجب آلية "العزل من المنصب" المنصوص عليها في الدستور، وقد تم تطبيق هذه الآلية في حالات سابقة، مثل قضية الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" خلال فضيحة "ووترغيت"، حيث تعرض لضغوط كبيرة لتقديم الاستقالة، بعد التحقيقات حول تورطه في خرق قوانين انتخابية و دستورية.

     كما أن خيانة اليمين الدستورية قد يشمل -أيضًا- انتهاكًا لقوانين مكافحة الفساد؛ حيث يستخدم المسؤول في الدولة سلطته لتحقيق مصالح شخصية أو يستغل منصبه بشكل غير قانوني للحصول على فائدة لهُ أو للغير، ففي هذه الحالات، قد يُحاكم المسؤول جنائيًا ويخضع لعقوبات قد تصل إلى السجن. 

     فعلى سبيل المثال؛ في جنوب أفريقيا، تمت محاكمة العديد من المسؤولين في الحكومة على خلفية خيانة اليمين الدستورية و فساد مالي، مثل قضية الرئيس السابق "جاكوب زوما" الذي تم اتهامه بالفساد و إستخدام منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، محاكمته أثارت الكثير من الجدل السياسي و القانوني حول تطبيق العدالة في مثل هذه الحالات.

     أما من الناحية السياسية، تؤدي خيانة اليمين الدستورية إلى اهتزاز الثقة في المؤسسات الحكومية، وتسبب أزمة شرعية قد تؤدي إلى تغييرات سياسية واسعة.

     فإذا ثبت في حق "الشخص المسؤول" مخالفته للدستور أو تهرب من تنفيذ القوانين؛ فإن ذلك يتسبب في فقدان ثقة المواطنين بالنظام السياسي بأسره، وتراجع المشاركة السياسية الفاعلة، و زيادة السخط الإجتماعي و تآكل الثقة الشعبية، مما قد يظهر معهُ احتجاجات شعبية واسعة تطالب بالعدالة والمحاسبة، ويضع الحكومات في الأخير تحت ضغط داخلي و خارجي كبير.

     وللتوضيح أكثر؛ في البرازيل، أدى التحقيق في فضيحة "البتروبراس" التي تورط فيها العديد من المسؤولين الحكوميين، إلى تدهور صورة الحكومة وفقدان شعبيتها، حيث اعتُبرت هذه الخيانة على أنها انتهاك للثقة العامة في الدستور والقوانين، وفي النهاية، خضع الرئيس "ديلما روسيف" للمساءلة السياسية، وتم إقالتها من منصبها نتيجة الفضيحة السياسية الكبرى في تاريخ البلاد. 

     وللأهمية نقول؛ عندما يخون المسؤولون اليمين الدستورية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تغييرات في الحكومة، مثل استقالة المسؤولين أو حل البرلمان، وبالتالي يؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار السياسي والأمني في البلاد، وفي بعض الحالات، قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية تهدد النظام السياسي بأسره.

     في إيطاليا، واجهت الحكومة أزمة سياسية كبيرة في عام 2011م، بعد إتهام رئيس الوزراء آنذاك "سيلفيو برلسكوني" بالفساد وانتهاك القوانين و الدستور، ما أدى إلى إنهيار الائتلاف الحاكم و احتجاجات واسعة من قبل الشعب، رغم أن "برلسكوني" لم يُدان رسميًا بالفساد، إلا أن الأزمة السياسية كانت نتيجة مباشرة لفقدان الثقة الشعبية في نزاهة سير عمل الحكومة.

     فمن أجل الحد من ظاهرة خيانة اليمين الدستورية، يجب أن تكون هناك آليات قانونية فاعلة لضمان المساءلة و المحاسبة الحقيقية، كما ينبغي تعزيز الشفافية ووجود مؤسسات رقابية مستقلة، لضمان إحترام المسؤولين للقوانين و الدستور. 

     ولتعزيز الشفافية و المساءلة؛ يجب أن تتوافر لهما آليات شفافة للمحاسبة، مثل تقارير الرقابة المستقلة، و الهيئات القانونية القادرة على التحقيق في التجاوزات و المخالفات، كما يجب أن يتم تفعيل دور المجالس التشريعية في محاسبة المسؤولين، و نشر ثقافة الإحترام الدستوري.

     كون من الضروري؛ نشر ثقافة قانونية تركز على إحترام الدستور و تعزز القيم المدنية لدى المسؤولين، مع التأكيد على أهمية تقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، و عدم التغاضي عن تطبيق القانون في حالات معينة. 

     لذلك؛ يجب أن تكون هناك إرادة سياسية و قانونية قوية لمواجهة هذه الظاهرة، لكي يتسنى لنا ضمان أن تظل اليمين الدستورية أكثر من مجرد كلمات، بل التزامًا حقيقيًا تجاه الشعب والدولة.

أ. مشارك د. هاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عدن: 7. فبراير. 2025م

.