“تهامة واليمن: التهميش السياسي والاقتصادي بين الواقع والتاريخ”..

“تهامة واليمن: التهميش السياسي والاقتصادي بين الواقع والتاريخ”..

بقلم الكاتب / عبدالجبار سلمان ...

قضية تهامة ودورها التاريخي ومكانتها في اليمن قد أثارت العديد من التساؤلات والنقاشات حول ما إذا كانت تهامة تعاني من تهميش أو اضطهاد من قبل السلطة المركزية في اليمن، وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الزيدي التاريخي. تهامة منطقة ساحلية تقع في الجزء الغربي من اليمن. 

تميزت تهامة بموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر مما جعلها مركزًا للتجارة والثقافة على مر التاريخ. إلا أن التغيرات السياسية التي شهدها اليمن عبر العصور، من حكم الأئمة الزيديين في الشمال إلى فترة ما بعد الثورة الجمهورية، أثرت بشكل كبير على الأوضاع في تهامة وسكانها. حكم الأئمة الزيديين مناطق الشمال اليمني لعدة قرون، وقد كانت سياستهم متجهة غالباً نحو توطيد السلطة في المناطق الجبلية مثل صنعاء وصعدة..

 يشير بعض المؤرخين إلى أن التركيز على هذه المناطق جاء على حساب المناطق الساحلية كتهامة، التي لم تحظَ بالاهتمام السياسي والاقتصادي ذاته. وقد أدى هذا الوضع إلى تصاعد الشعور لدى سكان تهامة بأنهم مهمشون من قبل السلطة المركزية، وأن التمثيل السياسي لهم كان ضئيلاً أو معدومًا. يتهم بعض الكتاب والمثقفين أن الهضبة الزيدية مارست شكلاً من أشكال التمييز ضد تهامة وأبنائها، حيث لم يحصل أبناء تهامة على المناصب الرفيعة أو التأثير السياسي الذي حظي به أبناء المناطق الشمالية. يصف هؤلاء الكتاب السياسات المتبعة بأنها كانت تنطوي على تفضيل مناطقي، أدى إلى تهميش تهامة في مختلف المجالات..

 إضافة إلى ذلك، يشير البعض إلى أن الثقافة الزيدية السائدة في مناطق الجبال كانت تحتفظ بقدر من الاستعلاء تجاه تهامة، مما تسبب في بروز شعور عام لدى سكان تهامة بأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية...

كما يرى البعض أن هذه الفجوة الثقافية والاجتماعية تسببت في تمييز واضح في مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية. يشكو العديد من سكان تهامة من تردي الوضع الاقتصادي في مناطقهم، حيث يعتقدون أن السلطة المركزية تجاهلت احتياجاتهم التنموية مقارنة بالمناطق الأخرى. على الرغم من أن تهامة تمتلك ميناء الحديدة الذي يُعد من أهم الموانئ اليمنية..

إلا أن العائدات الاقتصادية لم تظهر انعكاساتها بشكل مباشر على سكان المنطقة. حيث يرون أن الاستثمارات والبنية التحتية والتنمية الاقتصادية التي كانت موجهة إلى تهامة كانت محدودة للغاية. من الجانب السياسي، يشعر أبناء تهامة بأنهم لم يحصلوا على التمثيل الكافي في الحكومات اليمنية المتعاقبة، سواء قبل الثورة أو بعدها. حيث تُسيطر النخبة السياسية من المناطق الشمالية على معظم المناصب السياسية العليا، بينما بقيت المناصب الدنيا والمتوسطة لأبناء تهامة..

 هذا الشعور بالاستبعاد السياسي أدى إلى تصاعد الحركات الاحتجاجية في تهامة، حيث طالب السكان بمزيد من العدالة والمساواة في التمثيل السياسي...

من الناحية الثقافية، يشعر سكان تهامة بأن ثقافتهم المحلية وتقاليدهم لم تحظَ بالاعتراف والاحترام الكافي ضمن السياق الثقافي الوطني. ويرى البعض أن الثقافة الزيدية المهيمنة على الشمال فرضت هيمنة ثقافية على بقية المناطق، مما أدى إلى تجاهل الثقافة التهامية واللهجة المحلية والعادات والتقاليد الخاصة بهم..

في السنوات الأخيرة، تصاعدت الأصوات المطالبة بحقوق تهامة، خاصة في ظل الحرب المستمرة في اليمن والتي زادت من تدهور الأوضاع في المنطقة. أصبحت مطالب سكان تهامة تشمل مزيدًا من الاستقلالية في إدارة شؤونهم، وتوزيعاً عادلاً للموارد، وفرصًا عادلة في التمثيل السياسي، وتحقيق تنمية شاملة في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية..

يمكن القول بأن تهامة عانت تاريخيًا من تهميش في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما خلق شعورًا بالظلم لدى سكانها. ولعل التحدي الأكبر أمام اليمن اليوم هو معالجة هذه الفجوات بين المناطق والعمل على خلق نظام شامل يحقق العدالة والمساواة لجميع المناطق اليمنية. تبقى مسألة “الاحتلال الطائفي” نقطة حساسة..

 لكن الواقع يشير إلى أن تهامة عانت من سياسات تمييزية أفرزت واقعًا من التهميش الاقتصادي والسياسي، مما دفع بعض المفكرين للتعبير عن معاناة تهامة بعبارات توحي بسيطرة فئة معينة على مقدرات البلاد. في الختام، تظل قضية تهامة وتهميشها نقطة محورية ضمن التحديات التي تواجه اليمن، وتتطلب حلولا متكاملة تراعي خصوصية المناطق المختلفة وتحقق العدالة الاجتماعية والسياسية لجميع فئات الشعب اليمني...