“اتفاقية ستوكهولم : غطاء لاستمرار معاناة سكان تهامة تحت سيطرة الحوثيين..
بقلم / الاستاذ عبدالجبار سلمان..
اتفاقية ستوكهولم، التي وُقِّعت في ديسمبر 2018 بين الحكومة اليمنية المدعومة دوليًا ومليشيا الحوثي تحت رعاية الأمم المتحدة، كانت تهدف إلى وضع حدٍّ للصراع المستمر في اليمن، وتحديدًا في الحديدة، مدينة الميناء الحيوية..
ومع ذلك، وبدلاً من تحقيق الهدف المرجو منها، أصبحت هذه الاتفاقية في نظر العديد من سكان تهامة سببًا لتفاقم مأساتهم ومعاناتهم. بعد اتفاقية ستوكهولم، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة وموانئها الرئيسية، لم يحدث الانسحاب كما كان مأمولاً. استمر الحوثيون في السيطرة على المدينة وعلى مناطق واسعة من تهامة، مما أدى إلى شعور عميق بالخذلان لدى سكان تهامة الذين كانوا يعوّلون على الاتفاقية لتحسين أوضاعهم. سكان تهامة يعانون من تهميش طويل الأمد..
ولم تقدم الاتفاقية أي تغيير يُذكر في هذا الوضع. الحوثيون استمروا في ممارسة نفوذهم بشكل عنيف على السكان المحليين، حيث أصبحت التهميشات الاقتصادية والاجتماعية سمةً أساسية لحياتهم اليومية..
كثيرون في تهامة لا يتمتعون بحقوقهم الأساسية، ويعيشون في ظل ظروف صعبة للغاية، مع انتشار البطالة والفقر. استغل الحوثيون الاتفاقية لتعزيز قبضتهم الأمنية على المناطق التي يسيطرون عليها. تقارير متعددة تشير إلى حملات واسعة من الاعتقالات التعسفية ضد أبناء تهامة، حيث يتعرض العديد منهم للسجن بدون محاكمة، ويتم التنكيل بهم بطرق وحشية..
هذا السلوك التعسفي لم يتوقف عند الاعتقال؛ بل امتد إلى السحل والاعتداء الجسدي، حيث يُجرِّم الحوثيون أي محاولة للمقاومة أو التعبير عن الرأي. العديد من الشهادات تتحدث عن سجون سرية أقامها الحوثيون في تهامة، تُمارَس فيها أبشع أنواع التعذيب ضد المعتقلين، مما يُفاقم من معاناة السكان المحليين. على الصعيد الخدمي..
تعاني تهامة من انهيار شبه كامل في البنية التحتية. بعد اتفاقية ستوكهولم، لم يكن هناك أي تحسين في مستوى الخدمات، بل على العكس، ازدادت الأوضاع سوءًا. الكهرباء والمياه، وهما أساسيات الحياة اليومية، انقطعتا في كثير من المناطق، ما دفع السكان إلى البحث عن حلول بديلة قد تكون مكلفة وغير فعالة. المستشفيات بدورها تضررت بشدة، حيث أصبحت غير قادرة على استقبال المرضى بالشكل المطلوب نتيجة نقص الأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن تعرض بعضها للهجمات أو الإغلاق القسري. تفاقم انعدام الأمن الغذائي في تهامة بعد توقيع اتفاقية ستوكهولم. المنطقة التي كانت تُعتبر من بين أكثر المناطق تضررًا من الفقر والجوع في اليمن، أصبحت تعاني أكثر بسبب الحصار المفروض من الحوثيين وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية. نقص الغذاء الحاد وارتفاع الأسعار جعل من الصعب على الكثير من العائلات توفير احتياجاتها اليومية، مما أدى إلى انتشار سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال..
الظروف القاسية التي يعيشها سكان تهامة أدت إلى تدهور حالتهم النفسية والاجتماعية. انتشار الفقر والعنف والانتهاكات دفع بالكثيرين إلى اليأس، حيث فقد السكان الثقة في الحلول السياسية أو الدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، يعيش الكثيرون في خوف دائم من التعرّض للاعتقال أو الهجوم، مما أوجد بيئة مشبعة بالرعب والقلق. ختاماً يمكن القول إن اتفاقية ستوكهولم لم تحقق الأهداف المرجوة منها في تهامة، بل كانت بمثابة غطاء لإطالة أمد معاناة السكان المحليين. المليشيات الحوثية استغلت الاتفاقية لتعزيز سيطرتها، بينما تُرك سكان تهامة يعانون من تهميشهم المستمر، ومن ظروف اقتصادية وأمنية وإنسانية متدهورة. الحل لهذه الأزمة يتطلب جهودًا دولية أكثر جدية لمحاسبة الأطراف التي تنتهك حقوق الإنسان، وتحقيق سلام حقيقي يستجيب لمتطلبات الشعب اليمني، وخاصة سكان تهامة الذين يرزحون تحت أسوأ الظروف....