*رحيل اخر الرجال* *المحترمين*

*رحيل اخر الرجال* *المحترمين*

منبر الاخبار: خاص

كتب /ناصر كرد 

ودعت لحج واليمن وجبالها وسهولها وطيوىها رجل يعتبر اخر الرجال المحترمين 

العم الغالي خفيف الظهور كبير الطرح بعيد الأفق العميد محمد قاسم سالم العييري الصبيحي .فكان الرحيل مؤلم واثرة كبير علئ نخبة الشرفاء والمثقفين في لحج الأرض التي ولد فيها وترعرع فيها فقيدنا الراحل ابئ جياب ورؤول وهيثم 

 

هزّني رحيلُه بعمق...

 ولستُ وحدي، بل حزِنَ على الراحل الكبير محمّد قاسم كلُّ مَن عرفَه، وشعرَ بقلبِهِ الكبير، وأكوانِ عقلِهِ مترامي الأطرافِ، وكلُّ مَن اقتربَ من "قلعةِ لحج ". وكان هذا لقبَهُ الذي أطلقته عليه قبل حوالي الخمس سنوات في لقاء جمع بيننا في بستان الحسيني مع نخبة من خيرت المثقفون اللحجيون 

الراحل الكبير محمد قاسم سالم العييري الصبيحي تربطني به قواسم مشتركة فهو الصيدلاني المعتق و الأديبُ المحيط بكل نفحات وتجليتت كل من اثرو الحركة الأدبية وتلنعضوية في محافظة لحج 

(قلعة لحج )، كان لقباً يليقُ به، فقد كانَ قلعةً بِكبرِه وكبريائِهِ، قلعةً برُقيِّهِ وحكمتِهِ، قلعةً راسخةً رغم الأعاصيرِ، تختصرُ حقيقةَ اليمني الأصيلِ. 

حين تعرّفتُ إليه في حارة المشروع الليبي لكونه ابو اصدقائي المحترمين اولاد العز والذوات الراحل جياب والعزير علئ قلبي رؤول والغالي هيثم قبل اربعون عاماً، أدركتُ أنَّ الحياةَ أهدتني لتوِّها صديقاً كبيراً، بحكمتِهِ وأدبِهِ وعلمِهِ الغزيرِ، وتواضُعِهِ الجَمِّ الذي أكسبه محبةَ الجميعِ واحترامَهم. 

يُحزنُني أنّي لم ألتقِه منذز اندلاع الحرب المشؤومةِ في اليمن الا ثلاث مرات . وكان ذلك حين تكرّم بالتعليق بقوة أدبية علئ أحد منشوراتي في شبكة التواصل الفيسبوك . وطالما ساعدني هذا التعليق كحافز معنوي من رجل بحجم جبل 

كون الراحل الكبير. محمد قاسم مهتم جدا في تنظيم علاقاته الواسعة معَ المثقفين. والادباء والنوابغ .

كان صديقي الراحل محمد قاسم َ الحكيمَ، ذا الرأي السديد والمحبة الخالصة. كان من القلّة الوفيّة التي حرصتْ على استمرار التواصل بيننا، ونادراً ما مرّت أسابيع دون أن أسمع صوته. بالنسبة إليَّ كانت صداقته إنصافاً. بلسمَ بعضَ جروحي...! اعتذار الحياة على قسوتها أحياناً.

 أجل، كان بحقٍّ صديقاً وسنداً، ومنه تعلمتُ ما قاله سيدنا عمر بن عبد العزيز : «إنّ هذه الحياة أقصر من شهقةٍ وزفيرِها.. فلا تغرس بها سوى بذور المحبّة». طوبى له فقد حظي بنعمة أن "يرى".

                                         ***********

كي أمنحَ نفسي بعض العزاء، أفكِّر، كلّنا راحلون. ألا "يودّع الموتى موتاهم"؟ و"تعدَّدت الأسباب والموت واحد". لكن لا... ليس واحداً... إذ إنّ الأغلبيّة ترحل كأنها لم تجئ. بعض المميزين يبقَون زمناً يطول أو يقصُر، أمّا العظماء، فيخلُدون، بعد أن يكونوا قد قدّموا بعض حيواتهم سعياً لمنفعة البشر. لم أحظَ بمعرفة شخصيّة إلا بقلّة منهم، ومن بينهم قلعة لحج الراحل الكبير محمد قاسم 

تأملتُ بألم صورَ مراسم الدفن. أبكاني المشهد كثيراً. شهِقتُ بيأس: يا الله! كل هذا إلى التراب؟ أستغفر الله العظيم. 

تُرى، حين يموتُ المثقفون الذين أنفقوا السنين ينحتون أدمغتهم بالمعرفة والعلوم، أين تذهب كلّ كنوز عقولهم؟ هل تتحلّل في التراب لتتحوّل طاقةً أبديّةً تفيض في بذورها وثمارها؟ حين يموت النُّبَلاءُ الصابرون، أين تختفي كلّ تلك الشحنة النورانيّة من الخير؟ هل تذوبُ أيضاً في أديم الأرض لتمتزج بمائها، مُضفيةً عليه بَرَكةً خالدة؟

وكيف بقي خطّه الجميل فوق الأوراق ورحل هو إلى الأبد؟

                      **************

في لقاءنا الأخيرةِ قبل أسبوعين من وفاته، داعبني بحب ليُعلِمَني بصدرة الرحب كيفية التاقلم مع "الإعلام المعاصر". لم أعرف أنّه كلامة الأخير، لي فقد كان يُصدر يصدر النصيحة تلو الآخرئ لكل من يحب ويتمنئ له طريقا علميا صحيحا من جَعبته الغزيرة. فرحتُ بها كما يفرح بها الآخرون أمثالي ممَّن عرفهم واعتبرهم في نظره "أعلاماً"، وشرّفني بأنّه اعتبرني بكرمه المعهود أحدَ أولئك. وبرأيي، كان اعتراف رسميبي من قبل رجلا يعد من اثقل المثقفين في اليمن ولحج المتواضع محمد قاسم 

يعتبر كتاب كبير لم يقرأ بعد من "بعض من عاصروا الراحل الكبير محمّد قاسم "، لأنّه من أنبل أعلام هذا العصر. كان من حُسنِ حظّي يا صديقي أنّي وُلدتُ في عصرك، لكن ليتني ما عرفتُك من قُرب. لم أكن لأُقاسيَ وجعَ الغيابِ والفَقد... بعد خمسةٍ وعشرين عاماً، فمنذ رحلة الئ صنعاء، نام حُزني حتى أيقظه اليوم رحيلُك القاسي فابكاني وابكئ كل شرفاء لحج . 

                               ***************

لماذا قررتُ الليلة أن أكتبَ عنه؟

 ليس من بابِ الوفاءِ، لأنّه رحل عن دُنيانا. ووفائي ومحبتي له لن يعنِيا سواه. 

وليس من باب التكريم، فهو الكبير الذي يليق به أن يُكرَّم ويُمنَح الأوسمة. وليس من باب ردِّ الجميل، لأنّ له بذمّتي أكثر مما يمكن ردُّهُ بشلالاتِ أحرف. وليس من باب الذِّكر، فهو لا يحتاجُ من يُخلِّدُه، بعد أن خلَّد نفسه بأعماله وفكره ومؤلّفاته.

أكتبُ حقيقةً... من بابِ الافتقاد. حقاً نفتقدك يا أبا جياب