"مئة عام من السعادة العربية"

باسم المذهب تم اختطاف الدين فى اليمن,وباسم الدين تم اختطاف الوطن فى اليمن ,وباسم الربيع تم اختطاف اليمن فى اليمن,وباسم اليمن تم اختطاف اليمنيين فى اليمن

"الهوى اليمنى" حلقة ها الأسبوع من سلسلة "مئة عام من السعادة العربية" المنشورة بمجلة الأهرام العربى

المقال كاملا:مائة عام من السعادة العربية

6-الهوى اليمنى

ما من يمنى تلقاه, إلا وكان هواه بعد اليمن مصريا,وما من أحد يحب مصر,إلا وكان فى بعض هواه يمنيا.

لله أهل اليمن .. كيف صار يمنهم السعيد هكذا, وهم أبناء الحضارة والفصاحة , أهل البحر والجبل والسهل والعسل,وهم فوق كل ذلك أهل العمارة,لا البؤس واليأس والخسارة.

الوحيدون على ظهر الأرض الذين ما زال أسلوب عمارتهم حيا منذ آلا ف السنين,على قمم الجبال وبين الوديان والسفوح ,علامة على المدن القديمة العامرة,وتبشيرا بكل أمنية بعيدة وغائبة.

والوحيدون بين العرب,الذين يعيشون على الشعر حتى الآن,فمنهم ولهم الشعراء,وأى شعراء ؟ شعراء يضعون كلمتهم على الحقيقة,ويطلقونها واضحة جلية لأمتهم,مفسرة للماضى,وكاشفة للحاضر,وراسمة للمستقبل,كما فعل الشاعر الكبير عبد الله البردونى ,وفى بيت واحد وهو يقول:

قـلـتم كـثـيراً، ومــا قـلـتم، أكـاشـفكم

لايـعـرف الله مــن لــم يـعشق الـوطنا.

أحمد خالد

[email protected]

بيت واحد,بل شطرة واحدة,من ثلاثة أحرف ,وأربع كلمات,وضعت حدا لكل النظريات المتعارضة حول الهوية بين الإسلامية والعربية والقومية والوطنية .. ألخ,بل أن الشطرة تعالت على تلك النظريات التى ما تزال حتى الآن,تأخذ من روح الأمة ووجودها,ما يحول بينها وبين المستقبل ,هذه الأمة التى لا تزال مختلفة حول على ومعاوية,وأنتم تعرفون فى هذا, أكثر مما أعرف.

...

باسم المذهب تم اختطاف الدين فى اليمن,وباسم الدين تم اختطاف الوطن فى اليمن ,وباسم الربيع تم اختطاف اليمن فى اليمن,وباسم اليمن تم اختطاف اليمنيين فى اليمن,أما العجب فإن ما حدث, وصفه وحذر منه الشاعر الكبير عبد الله البردونى وقبل سنوات طويلة من حدوث المآسى قائلا:

فظيعٌ جهلُ ما يجري..وأفظَعُ مِنةُ أن تدري

يمانيُّون في المَنفى..ومَنفيُّون في اليمَنِ

جنوبيُّون في صَنعا..شماليُّونَ في عَدَنِ

...

أما الأغرب فإن الأبيات السابقة معروفة للجميع,وقرأها وحفظها الجميع قبلى بكثير,ووجه الغرابة أننا نعرف مكمن الجرح وسببه وآثاره,ومع ذلك لا نستطيع أن نداويه فنتعافى منه,صحيح أن هناك مؤامرات كثيرة تريد أن تخضع اليمن ,لتنهب وجوده الفريد وخيراته من عسل ولبن,ولكن وهل جديدة هى المؤامرات على اليمن وأهله,أليست أرض بلقيس هدفا للمطامع منذ أن تأسست تلك الحضارة الفريدة على أرضها قديما,أليس اليمن وأهله ,فى القلب من نظرية تحطيم أهل الحضارات القديمة الحديثة ,كشرط لتحقيق نظرية العالم الجديد فى أثينا الجديدة,العالم الجديد كما يراه الرجل الأبيض.

لكن ألم ينجو أهل اليمن من كل تلك المؤامرات,فما بالهم الآن لا يرجون نجاة؟

الأساب كثيرة,وهى تشمل الأمة كلها,لا اليمن وحده,لكن علة اليمنيين الكبرى فى ما قاله شاعرهم الكبير:

جنوبيون في صنعا.. شماليون في عدن

...

لا أريد أن أكون قاسيا على أهل اليمن,إذ ينطبق عليهم,ما ينطبق على الجميع.لا أريد أن اكون قاسيا عليهم,فهم أهل مروؤة وإخلاص ولطف وصداقة,وهم أيضا أهل مرارة وحنين وأشجان,وهى صفات وجدتها فى صديقى الشاعروالصحافى الوطنى العتيد"عبد القوى الشميرى" ,الذى ما أن جلست إليه,حتى حدثنى عن عبد الله البردونى,وألقى على بعض شعره,فتأسست بيننا صداقة عتيدة,أحد قواعدها البردونى.

وهى نفس الصفات,التى أسست لصداقتى ,مع صديق ووطنى يمنى عتيد,اخى الذى لم تلده أمى الصديق الكبير العميد"طه الصبيحى",الذى ما خلا حديث له من البردونى,و الذى يعرف مصر ,أكثر من بعض المصريين,ويراها القلب فى جسد الأمة,إن صح صحت,وإن ضعف ضعفت.

وهنا مكمن الفرح , وإحدى لحظات السعادة, وهى أن يظل الشاعر حيا,أن يظل عنوانا,لوطنه وأمته,لا يستدعى إذ انه لا ينسى,ولا ينسى طالما أن الأوطان حاضرة.

وهنا مكمن الفرح,وإحدى أسباب السعادة,وهى أن يظل الشاعروإن مات فاعلا,لدرجة أن يكون سببا لصداقات,وجوهرا فى التأثير على الأحياء,حتى أنه يحضر بينهم,حضور التفاصيل الإنسانية,ولا يفعل ذلك إلا واحد كالبردونى,الذى قال:

أنا كأس من غنى الشوق ودمع الذكريات

فاشرب اللحن ودع في الكأس دمع الموجعات

...

هذا ولهذا الحديث بقية,ما بقيت الحياة وما بقيت الأوطان,لإننى عازم على أن أقول كل ما فى عقلى وقلبى حول اليمن,وكل ما فى عقلى وقلبى مصرى,ومن كان مصريا,يكون فى بعض هواه يمانيا