منبر الأخبار.. إشادة مستحقة بأبي نشأت ودعوة صريحة لدعم الإعلام الجنوبي المستقل الفاعل
تحية احترام وتقدير لكل من حمل همّ الكلمة الصادقة، وفي مقدمتهم موقع منبر الأخبار والقائم عليه أبو نشأت، لما وفّره من مساحة حرة ومسؤولة أتاحت لنا ـ كجنوبيين ـ التعبير عن آرائنا بكل شفافية واحترام، دون إقصاء أو امتعاض، وفي بيئة إعلامية باتت فيها حرية الرأي عملة نادرة. هذه النماذج الإعلامية الجادة تستحق الوقوف عندها والإشادة بها، لأنها تمثل جوهر الإعلام الحقيقي الذي ينحاز للإنسان والحق، لا للإملاءات والوصايات.
في ظل التحولات الكبرى التي تمر بها القضية الجنوبية، الإعلام الجنوبي أصبح ساحة صراع حقيقية، وواجهة وعي، وخط الدفاع الأول عن الهوية والحق والرواية. وإن دعم الإعلام الجنوبي الفاعل، سواء تمثّل في شخصيات مستقلة صادقة أو مواقع ومنصات إعلامية مهنية،صار واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا في هذه المرحلة الحساسة.
ومن موقع التجربة لا التنظير، فإن الحديث عن الإعلام الجنوبي لا يكتمل دون التوقف عند محطات تأسيسية حقيقية، كنّا جزءًا منها في بداياتها، حين ساهمنا في تأسيس سما نيوز بكل فروعها حتى وصل الامر لطباعة صحيفة ورقيه وغيرها ايضا من المواقع الجنوبية التي وُلدت من رحم المعاناة، وبجهود ذاتية خالصة، وبإيمان عميق بأن الجنوب يحتاج إلى إعلام مستقل، شريك، ومتعدد الأصوات. تلك المنصات لم تُنشأ لتكون أدوات بيد فصيل أو واجهات لسلطة، بل لتكون مساحة جامعة تعكس تنوّع الجنوب وقواه ورؤاه.
غير أن ما حدث لاحقًا كان مؤلمًا وصادمًا، حين آثرنا الانسحاب وترك تلك المواقع بعد أن سيطر عليها فصيل انتقالي، وأُديرت بعقلية الإقصاء لا الشراكة، وبمنطق الهيمنة لا التعدد، دون احترام لمعايير الشراكة الإعلامية، ولا لحقوق المؤسسين، ولا لجوهر العمل الإعلامي المهني. لم يكن الانسحاب ضعفًا ولا هروبًا، بل موقفًا أخلاقيًا، لأن الإعلام إذا فقد استقلاله فقد قيمته، وإذا تحوّل إلى بوق، سقطت عنه صفة الرسالة.
الإعلام الجنوبي اليوم لا يواجه فقط تحدي إيصال المعلومة، بل يواجه حملات منظمة للتشويه والتزييف وطمس الحقائق، تقودها أدوات إعلامية شماليه واقليمية ضخمة تمتلك المال والمنصات والدعم السياسي. في مقابل ذلك، يقف الإعلام الجنوبي ضعيف و بإمكانات محدودة لكنه يمتلك ما هو أهم: صدق القضية، ومعاناة الناس، وشرعية الصوت. وهنا تتجلى أهمية دعمه ليبقى واقفًا، متوازنًا، وقادرًا على الاستمرار بعيدًا عن الوصاية الحزبية أو الفصائلية.
إن الشخصيات الإعلامية الجنوبية المستقلة الفاعله والمواقع الاخباريه المستقله الفاعله تمثل ركيزة أساسية في هذا المشهد. هؤلاء لا يتحدثون باسم حزب أو جهة، بل باسم الوجدان الجنوبي العام، وينقلون نبض الشارع، ويعبّرون عن آلامه وتطلعاته بجرأة ومسؤولية. دعم هذه الأصوات يعني حماية التنوع داخل الخطاب الجنوبي، ومنع احتكاره أو اختزاله في اتجاه واحد، كما يعني تعزيز المصداقية، لأن الرأي الحر غير الموجَّه هو الأكثر تأثيرًا والأقرب للناس.
إن المواقع والمنصات الإعلامية الجنوبية الفاعلة، هي الذاكرة المكتوبة والموثقة للقضية الجنوبية من خلالها تُحفظ المواقف، وتُسجّل الأحداث، وتُبنى الرواية الجنوبية في مواجهة روايات مضادة تحاول قلب الحقائق أو إعادة إنتاج الوصاية والتهميش. هذه المواقع، عندما تُدار بمهنية وتفتح أبوابها للرأي والرأي الآخر في إطار الاحترام، تتحول إلى مدارس وعي، لا مجرد منصات نشر.
إن دعم الإعلام الجنوبي لا يقتصر على المال فقط، رغم أهميته، بل يشمل التفاعل، والمشاركة، والنشر، والدفاع عنه عند الاستهداف، وعدم الانجرار وراء حملات التشويه الداخلية التي لا تقل خطرًا عن الهجوم الخارجي. فإضعاف الإعلام الجنوبي من الداخل، خصوصًا عبر تكميم الأصوات أو تخوينها، يخدم خصوم القضية أكثر مما يخدم الجنوب.
كما أن الإعلام الجنوبي القوي يساهم في ترشيد الخطاب السياسي، ويمنع الانزلاق نحو الشعبوية أو التحريض غير المسؤول. عندما يكون الإعلام حاضرًا وفاعلًا، يصبح صوت العقل أعلى، وتُناقش القضايا بوعي، وتُعرض الأخطاء للنقد بهدف التصحيح لا الهدم. وهذا ما تحتاجه أي قضية عادلة تسعى لبناء مستقبل، لا للاكتفاء بردود الفعل.
إن دعم الإعلام الجنوبي هو دعم لحق الجنوبي في أن يُسمَع، وفي أن يروي قصته بنفسه، لا عبر وسطاء أو خصوم. وهو دعم لمعركة الوعي التي تسبق أي معركة سياسية أو ميدانية. فالقضايا لا تنتصر بالسلاح وحده، بل بالكلمة الصادقة، والصورة الواضحة، والرواية الثابتة.
وختاما أجدد الإشادة بكل منبر إعلامي جنوبي حر، وبكل قلم صادق رفض الارتهان، وبكل شخصية إعلامية مستقلة دفعت ثمن مواقفها لأنها آمنت بأن الإعلام شراكة لا غنيمة. التحية لموقع منبر الأخبار ولأبي نشأت، ولكل منصة جنوبية ما زالت تحافظ على مهنيتها واستقلالها، فبأمثالكم يُصان الصوت الجنوبي، وتُحمى الرواية، ويُبنى الوعي، ويثبت أن الإعلام الحر هو أحد أعمدة الثبات والانتصار . وبالتوفيق مستقبلا ودمتم سالمين




