الجلوس في مقاعد الإثم.. حينما يبيع المؤتمر القومي العربي القضية لقاتل اليمنيين
كتب | محمد العياشي alayashi2017@
لم يعد مستغرباً أن تتحول شرفة بيروت إلى منصة للباطل، تطل منها أصوات تدّعي العروبة وهي تمزق جسدها. ولكن الغريب أن تصفق لها أيادٍ تدّعي الوطنية وهي ترى سكيناً تغرز في خاصرة اليمن. هذه هي المهزلة التي تجسدت في "المؤتمر القومي العربي" حين استضاف زعيم مليشيا الحوثي، ليس خطأً عابراً، بل جريمة في حق العروبة واليمن معاً.
في قاعة ذلك المؤتمر، لم يكن الكرسي مجرد خشب، بل كان موقفاً. والجلوس بجانب خطاب يدّعي القومية وهو يلفظ سموم الطائفية والتوسع الإيراني، ليس سذاجة، بل تواطؤ. إنه تطبيع مع الإرهاب يلبس عباءة الحوار، وتجميل لقبح لا يُجمّل. فالقومية التي عرفناها كانت مشروع تحرر ووحدة وكرامة، لا غطاءً لمشروع طائفي تابع لطهران.
لقد انسحب الرجال الواعون، مثل علي الضالع، احتجاجاً على هذه "المهزلة الكبرى"، كما وصفها الأمين العام الأسبق للمؤتمر. لكن بقاء يحيى محمد عبدالله صالح في القاعة يطرح سؤالاً وجودياً: أين موقع أبناء مدرسة الشهيد الرئيس علي عبدالله صالح من هذه المعادلة؟ إنها معركة مصيرية لا تحتمل الرمادية، والوقوف على الحياد فيها هو انحياز للعدو.
إن كان يحيى صالح جاهلاً بمحتوى المؤتمر، فكان الواجب الوطني يقتضي منه مغادرة القاعة فوراً، ورفع صوتٍ يفضح المسرحية. أما إن كان عالماً، فموقفه لا يُغتفر. فالصمت هنا ليس ذهباً، بل هو خونة. والتاريخ لا يرحم من يمسك العصا من المنتصف عندما يكون الوطن على المحك.
إن محاولة البعض تحميل الفريق الركن طارق صالح تبعات هذا الموقف هي محض افتراء وخلط للأوراق. فمسار طارق صالح واضح في الميدان، ودماؤه وشهداؤه يشهدون على وطنيته. لا يمكن تشويه رموز اليمن بخلط المواقف العائلية بالمسؤوليات الوطنية.
الخطر الأكبر ليس في استضافة الحوثي، بل في محاولة إعادة تدويره داخل الإطار العربي. إنها جريمة تزييف للوعي، ومحاولة لغسل دماء اليمنيين بشعارات كاذبة. فالحوثي ليس مقاوماً، بل هو أداة إيرانية اغتالت الجمهورية والوحدة والسلام.
لقد حان الوقت لأن يعي كل يمني، وكل عربي، أن المعركة مع هذا المشروع الطائفي هي معركة وجود. وأن الاصطفاف فيها لا يُقاس بالأنساب، بل بالمواقف. فمن يقترب من مقعد الحوثي، وإن كان ابناً لأسرة قدمت التضحيات، فهو يخون تلك التضحيات ويُربك معركة الشعب.
اليمن اليوم في مفترق طرق، والوقت ليس وقت المساومات أو المشاهد العابرة. الموقع الطبيعي لكل يمني حر هو في الصف المقابل للحوثي، لا في قاعة يستمع لخطابه. فإما وطنية صافية، أو خيانة مُرّة. واليمن لا يقبل إلا الصفاء.



