الاعتـماد الأكاديـمي والجـودة المسـتدامة
لا يقـتصر مفهوم الاعتماد الأكاديمي على مجرد الحصول على شهادة رسمية أو استيفاء متطلبات شكلية، بل هو منظومة متكاملة تهدف إلى ضمان أن المؤسسة التعليمية تعمل وفق معايير علمية ومهنية معترف بها، وأن مخرجاتها قادرة على تلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل، والمساهمة في التنمية الوطنية الشاملة.
وبالتالـي، فـإن الاعتماد الأكاديمي يمثل حالة من الثقة المؤسسية تُمنح بعد تقييم موضوعي شامل يشمل: الرؤية والرسالة، والحوكمة، والبرامج الأكاديمية، وكفاءة أعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي، والبنية التحتية، وخدمات الطلبة، وهـو في جوهره أداة للمساءلة والتحسين المستمر، بعيدًا عن كونه غايةً تُنال ثم تُهمل.
أمـا الجـودة المستدامة، فتنطلق من نقطة أعمق، متجاوزةً مفهوم الجودة اللحظية أو المؤقتة، لتؤسس لثقافة مؤسسية قوامها التحسين الدائم، والتقويم الذاتي، والتكيُّف مع المتغيرات العلمية والتقنية.
بمعنى آخـر، لا تقتصر الجودة المستدامة على الحفاظ على مستوى الأداء، بل تمتد لتطويره باستمرار، محوِّلةً الجودة إلى ممارسة يومية وسلوك مؤسسي راسـخ.
وتكـمن قـوة العلاقة بين الاعتماد الأكاديمي والجودة المستدامة في كَوْن الأول إطارًا معياريًا، بينما تمثل الثانية الروح الحاكمة لهذا الإطار؛ فمن جهة، اعتمادٌ بلا جودة مستدامة يتحول إلى إجراء جامد، ومن جهة أخرى، جودةٌ بلا اعتماد تفقد معيارية القياس والمقارنة، ومن هذا المنطلق، يظهر التكامل بينهما كمدخل حقيقي لبناء مؤسسات تعليمية قادرة على البقاء والتنافس.
ويـزداد الأمر أهميةً في السياق العربي واليمني على وجه الخصوص، حيث يشكِّل الاعتماد الأكاديمي والجودة المستدامة رافعةً استراتيجية لإصلاح التعليم العالي، ليس لاستعادة الثقة المجتمعية فحسب، بـل أيضًا لربـط مخرجات المؤسسات التعليمية باحتياجات التنمية وإعادة بناء الإنسان.
وانـطلاقًا من هذا الفـهم، تُعد جامـعة عـدن اليوم نموذجًا لجامعة وطنية بدأت تخطو خطوات سليمة ومدروسة في هذا المسار، متمثلةً في مراجعة برامجها الأكاديمية، وتطوير خططها الدراسية، والسعي إلى تحسين مخرجات التعليم والتعلم.
ويـهدف هذا الجـهد إلى مواكبة المعايير المعتمدة، وتعزيز كفاءة الخريجين وقدرتهم على الاندماج في سوق العمل محليًا وإقليميًا ودوليًا.
غـير أن إدراك حجم التَّحـديات التي تفرضها المرحلة الراهـنة يُظهر أن نجاح هذا التوجه يظل مرهونًا بتكامل الأدوار، وهـو ما يتطلب، بدوره، تكاتف جميع الجهات المعنية، الحكومية منها والخاصة، لتقديم الدعم المؤسسي والفني، وتذليل الصعاب التي قد تعترض مسيرة التطوير.
فـبهذا التضافـر نسهم في النهوض بالعملية التعليمية في الجامعات الحكومية والأهلية على حد سواء، ونعزز دورها في بناء الإنسان والتنمية المستدامة.
خـلاصة القـول:
الاعتـماد الأكاديـمي ليس نهاية الطريق، والجودة المستدامة ليست شعارًا؛ إنهما، في الحقيقة، مسار مؤسسي طويل يبدأ بالإرادة الصادقة، ويتغذى بثقافة تقييم ومراجعة، وينضج ليُنتج تعليمًا نوعـيًا يصنع الـفرق.
أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 14. ديسمبر. 2025م
.




