أطفالنا يمتلكـون قـدرات وإمكانـات ومواهـب مختلـفة
لـيس كل طفل نسخةً مكررةً من الآخر، فالله سبحانه وتعالى أودع في كل نفس بشرية بذرة تميّز، وقدرة خاصة، وموهبة تنتظر من يكتشفها ويرعاها.
أطفالنا اليـوم يحملون في عقولهم وقلوبهم طاقات هائلة، قد لا تظهر بالصوت العالي، ولا تُقاس بالدرجات وحدها، لكنها حاضرة في الفضول، وفي السؤال، وفي الرسم، وفي المحاولة، وفي الإصرار الصامت.
إن التشجـيع والتحفيز والدعم والاحتواء ليست شعارات تربوية تُرَفَّع، بل هي ممارسات يومية تصنع الفرق بين طفل واثق بنفسه، وآخر متردد يخشى الفشل.
فالكلـمة الطيبة تبني، والنظرة الداعمة تُنبِت أملًا، والاحتواء الصادق يمنح الطفل شعورًا بالأمان، يجعله أكثر استعدادًا لاكتشاف ذاته والانطلاق نحو آفاق أوسع.
الاهـتمام بتعليم الأطفال لا ينبغي أن يُختزل في تلقين المعلومات، بل في تنمية العقول، وصقل المهارات، واحترام الفروق الفردية؛ فكم من طفل لم يُبدع في الصف التقليدي، لكنه أبدع في الفن، أو التفكير، أو الابتكار، أو القيادة!
التربـية الواعية هي التي تبحث عن مكامن القوة، لا التي تُصرّ على قياس الجميع بمسطرة واحدة.
وحين يجد الطفل من يؤمن به ويمنحه فرصة التجربة دون خوف من الخطأ، تنمو موهبته بثقة وتتعزز قدرته بإصرار، أمـا الإهـمال أو القـسوة أو المـقارنة الجائرة، فهي كفيلة بإطفاء شرارة الإبداع في مهدها، وحرمان المجتمع من عقول كان يمكن أن تضيء مستقبله.
إن بـناء جـيل قـوي لا يبدأ من المناهـج وحدها، بل من الأسـرة، ومن المدرسة، ومن كل يد تمتد للطفل بحب، وكل عقل يستمع له باحترام.
فالأمـم لا تنهض إلا بأبنائها، ولا يشتد عود الأبناء إلا حين يُربّون على الإيمان بأنهم قادرون، وأن لهم قيمة، وأن اختلافهم مصدر قوة لا ضعف.
ونحـن نـرى؛
أن هـذا الاهـتمام لا يكتمل إلا بامتداده الطبيعي إلى مراحل التعليم العالي والبحث العلمي والتدريب المهني؛ فهذه الحلقات المتكاملة لا تقل أهميةً عما أشرنا إليه.
إن الطـفل الموهـوب الذي نكتشفه اليوم ونرعاه، سيكون بحاجةٍ غدًا إلى بيئةٍ أكاديميةٍ تتبنّى إبداعه، ومنظومة بحثيةٍ تدعم ابتكاره، ومساراتٍ مهنيةٍ تستوعب تميّزه.
فـكم من إنتاج فكـري وعلـمي يانعٍ في أرضنا، ينقصه الدعم الكافي والفرصة الحقيقية للإبداع والتحقيق!
وهـنا نوجّـه رسـالة؛
إلى قـيادة دولتنا ورئاسة حكومتنا في وطننا الحبيب؛ "إن الاستثمار في الطفولة هو استثمارٌ في المنبع، ولكـن الاستثمار في التعلـيم العالـي والبحث العلـمي هو استثمارٌ في المصبّ الذي يروي حقول التنمية كلها".
فلتكـن رعـاية المواهب سلسلةً متصلةً لا تنقطع، من مراحل الاكتشاف الأولى في الطفولة، مرورًا بصقل المهارات في التعليم العام، وصولًا إلى التمكين الحقيقي في الجامعات ومراكز الأبحاث وسوق العمل.
فلنحـسن الاستثمار في أطفالنا وشبابنا؛ علمًا واحتواءً وتشجيعًا وتمكينًا، فـهم مشروع الغد، وأمل الوطن، وبذرة المستقبل الزاهر الذي لا يتحقق إلا برعايةٍ شاملةٍ تؤمن بأن الإبداع يحتاج إلى فرصة، والعلم يحتاج إلى إمكانات، والموهبة تحتاج إلى بيئةٍ حاضنةٍ تُخرج أفضل ما لديها، بإذن الله تعالى.
فلنكـن جميعًا - أسرةً ومدرسةً وجامعةً ودولةً - سواسيةً في بناء إنسان هذا الوطن، الذي يحمل في عقله علمًا، وفي قلبه ثقةً، وفي يديه قدرةً على الإبداع والبناء.
"والقادم أجمل بإذن الله تعالى".
أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 24. ديسمبر. 2025م
.




