الــطــريـــق الــى الـــحــــريــة
إنّ الحرية ليست هبة توزع في لحظة عابرة، ولا عطية تمنحها يد متسلط يرق قلبه فجأة للشعوب، بل هي جوهر الوجود الإنساني، وسر الكرامة البشرية، وغاية الرسالات، ومطمح الأحرار في كل زمان ومكان.
والطريق إليها طويل ووعر، تعبِّده دماء الشهداء، وتزيّنه تضحيات الأمهات، وترصّعه عزائم الرجال والنساء الذين آمنوا بأن الكرامة أغلى من الحياة، وأنّ العبودية أثقل من الموت.
لقد علمتنا دروس التاريخ أن الشعوب لا تهزم ما دامت متمسكة بحقها، وأن كل قوة طاغية مهما امتلكت من عدّة وعدد، لا تستطيع أن تطفئ جذوة الإرادة إذا تأصلت في القلوب وما نيل الحرية إلا ثمر صبر طويل، ومخاض أجيال متتابعة، تحمل الراية جيلاً بعد جيل، حتى يشرق فجر النصر.
الكفاح الشعبي ليس مجرد صدام بالسلاح، بل هو منظومة متكاملة من الوعي والصمود والإيمان العميق بعدالة القضية. هو كلمة حق تُقال في وجه سلطان جائر، وهو تربية ناشئة على أن الحرية قدر لا رجعة عنه، وهو فعل مقاوم يتجاوز الخوف ليتحول إلى طاقة خلاقة تبقي جذوة الأمل حية في أحلك الظروف.
أجل، إن الصمود هو جوهر هذا الطريق؛ فكم من أمةٍ تعرضت لظلم واستبداد، وظن خصومها أنها قد انكسرت، فإذا بها تعيد بناء ذاتها من تحت الركام، وتخرج أقوى وأكثر تماسكاً. الصمود ليس انتظاراً سلبياً، بل هو فعل يومي يثبت فيه الشعب وجوده رغم الجراح، ويحول معاناته إلى وقود يلهم الأجيال.
وما أجمل أن نتصور الحرية كفجر صادق يسبقه ليل طويل! ففي قلب الليل قد تكثر العتمة، وتثقل الأنفاس، وتبدو الطريق بعيدة، لكن الأحرار يعرفون أن الفجر قادم لا محالة، وأن الدمعة ستتحول إلى بسمة، والجراح إلى أوسمة، والقبور إلى منابر تروي قصص البطولة.
إنّ الشعوب التي تكتب قصتها بدمائها، وترسم ملامح مستقبلها بصمودها، لا يمكن أن يسرق منها النصر فالحرية ليست غاية فردية، بل هي ميراث مشترك، يحمله كل جيل ليقدمه هدية للأجيال القادمة هي عهد أبدي بين الأحياء والشهداء، بين الماضي والمستقبل، بأنّ الحق لا يموت ما دام وراءه من يطالب به.
الطريق إلى الحرية إذن هو كفاح الشعب وصموده، هو درب وعر ولكنه ممهد بصدق الإرادة ومن يسلكه بقلوب مؤمنة، وعقول واعية، وأيد متكاتفة، لا بدّ أن يبلغ شاطئ الكرامة مهما طال السفر.