“العنصرية الهاشمية في اليمن: هيمنة سلالية تُكرّس التمييز والتهميش.. تهامة نموذجًا”..


يُعاني اليمن منذ قرون من تمييز اجتماعي قائم على أسس سلالية، حيث تحتكر فئة معينة الامتيازات السياسية والاقتصادية والدينية، مما أدى إلى تفاقم الظلم والتهميش بحق فئات واسعة من المجتمع. تُعد تهامة واحدة..

 من أبرز الأمثلة على هذه الممارسات، إذ تعرّضت لقرون من الإقصاء والتهميش، خاصة منذ الغزو الإمامي عام 1929 وحتى اليوم. يرجع التمييز السلالي في اليمن إلى العهد الإمامي، حيث فرضت السلالة الهاشمية هيمنتها على البلاد بحجة التفوق الديني والعرقي. وتمت ترجمة هذا التمييز إلى ممارسات اجتماعية وسياسية استهدفت السكان غير الهاشميين، خصوصًا في المناطق التي لم تكن تخضع لسيطرتهم المباشرة، ومنها تهامة، التي كانت دائمًا ضحية للإهمال والاستغلال..

تعاني تهامة، المنطقة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، من مستويات عالية من الفقر والحرمان رغم غناها بالموارد الطبيعية. ومنذ الغزو الإمامي عام 1929، خضعت المنطقة لاستغلال اقتصادي قاسٍ، حيث فُرضت عليها الضرائب الباهظة، وصودرت أراضيها لصالح النخب الحاكمة،..

كما تم إهمال بنيتها التحتية وتعطيل أي جهود تنموية فيها. لم يقتصر التهميش على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتد إلى المجال السياسي، حيث تم استبعاد أبناء تهامة من المناصب القيادية، وظل التمثيل السياسي لأبنائها ضعيفًا، ما عمّق شعورهم بالظلم والاستبعاد من السلطة. ما زالت الامتيازات الهاشمية قائمة حتى اليوم في العديد من الأشكال، حيث تسيطر النخب السلالية على المؤسسات الدينية والقضائية والتعليمية،.

 وتستخدم هذه السيطرة لتكريس نفوذها على المجتمع. ورغم التحولات السياسية التي شهدها اليمن، لا يزال النفوذ السلالي عقبة رئيسية أمام تحقيق العدالة والمساواة، حيث يتم تفضيل المنتمين لهذه الفئة في التوظيف والمناصب العليا، فيما يتم تهميش غيرهم، خاصة في المناطق المحرومة مثل تهامة. بعد ثورة 1962 وسقوط الحكم الإمامي، استمرت النخب السلالية في التأثير على المشهد السياسي عبر وسائل مختلفة، أبرزها التغلغل في المؤسسات الحكومية، والتحكم في الموارد الاقتصادية..

وخلال العقود الأخيرة، ازداد التمييز بشكل واضح مع صعود جماعة الحوثي، التي أعادت تكريس الحكم السلالي، مما زاد من معاناة المناطق المهمشة، وعلى رأسها تهامة. منذ سيطرة المليشيات الحوثية على تهامة، تم تنفيذ برنامج عنصري يهدف إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات بناءً على النسب. قامت هذه المليشيات بإنشاء “لجان علمية لتوثيق أنساب السادة الأشراف” في كل مديرية، لتصنيف السكان إلى فئتين: “سيد” و”غير سيد”...

هذا التصنيف يعكس عقيدة عنصرية تتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، حيث يُعتبر سكان تهامة الأصليون هم أصحاب الأرض الحقيقيون. في محافظة الحديدة، استحوذت المليشيات الحوثية على المناصب المهمة لصالح أفراد من الأسر الهاشمية،..

هذا التمييز أدى إلى تهميش الكفاءات المحلية وإقصاء السكان الأصليين من مواقع صنع القرار. لم يقتصر التمييز على المناصب الحكومية، بل امتد إلى البنية الاجتماعية. فرضت المليشيات الحوثية شيوخًا من الأسر الهاشمية على القبائل التهامية العريقة،.

 هذا التدخل أدى إلى زعزعة النسيج الاجتماعي وتقويض الهياكل القبلية التقليدية. وكذلك أيضاً تُمارس المليشيات الحوثية تمييزًا عنصريًا ضد سكان تهامة، حيث يُحتقر أهل تهامة بسبب لون بشرتهم السمراء، ويُوصفون بأوصاف عنصرية طبقية مثل “الأخدام” "المزاينة" وإلخ..

كما سيطر الزيود على أراضٍ شاسعة في تهامة والحديدة بقوة السلطة والقبيلة، مما أدى إلى تهميش السكان الأصليين واستبعادهم من حقوقهم المشروعة. تعاني مديريات تهامة، من اضطهاد المليشيات الحوثية. تستهدف هذه المليشيات الأسر الهاشمية التهامية لكسب تعاطفها السلالي، إلا أن استعلاء فكر المليشيا القائم على نظرية الاصطفاء الإلهي أدى إلى تمييز حتى داخل الأسر الهاشمية نفسها..

تقوم المليشيات بتجنيد الأطفال والشباب قسريًا، ومن يرفض يسجن قصرياً أو يُجبر على دفع مبالغ مالية كبيرة، مما دفع العديد من الشباب إلى النزوح والانضمام إلى صفوف المقاومة لتخليص بلادهم من جبروت المليشيا الإرهابية. تُظهر هذه الممارسات أن العنصرية الهاشمية في اليمن، وخاصة في تهامة، ليست مجرد تمييز عرقي أو طبقي، بل هي نظام متكامل يسعى إلى فرض هيمنة سلالية تُكرّس التمييز والتهميش ضد السكان الأصليين، مما يستدعي جهودًا محلية ودولية لمواجهة هذه الانتهاكات وتعزيز قيم المساواة والعدالة. العنصرية الهاشمية في اليمن.

 ليست مجرد مشكلة تاريخية، بل واقع معيش يؤثر على ملايين اليمنيين، خاصة في المناطق المهمشة مثل تهامة. وإذا كان اليمن يسعى لبناء دولة حديثة تقوم على العدل والمواطنة المتساوية، فإن التصدي لهذه العنصرية وإلغاء الامتيازات السلالية يجب أن يكون في صدارة الأولويات، لضمان مستقبل أكثر عدالة لجميع اليمنيين...