حـماية الصـور الشخصية في عـصر الذكاء الاصطناعي "رؤية قانونية وتحذيرية"
أضحـت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة جزءًا أصيلًا من المشهد الرقمي المعاصر، حيث بات كثير من الشباب والفتيات يرفعون صورهم الشخصية إلى هذه التطبيقات بدافع الفضول أو الترفيه.
غـير أن هذا السلوك، على بساطته الظاهرة، يخفي وراءه إشكاليات قانونية وأمنية تمس صميم الحق في الخصوصية والكرامة الإنسانية.
إن الصـورة الرقمية لا تبقى مجرد ملف عابر، بل تتحول إلى بيانات قابلة للتخزين والمعالجة وإعادة الاستخدام، وقد تنتقل إلى خوادم خارج السيطرة، أو تُباع لشركات ومؤسسات تجارية، أو تُستغل في صناعة محتويات مزيفة عبر تقنيات "التزييف العميق" (Deepfake)؛ وهذه الاحتمالات تجعل من الصور الشخصية مادة حساسة يمكن أن تُستغل في تزييف الهوية أو التشهير أو حتى الابتزاز مستقبلاً، وهو ما يشكل انتهاكًا خطيرًا للحقوق الأساسية للأفراد.
ومـن منظور قانوني، تُعد البيانات الشخصية – بما في ذلك الصور – من الحقوق اللصيقة بالإنسان، وحمايتها تمثل التزامًا على عاتق المشرّع والدولة.
فـالمساس بخصوصية الأفراد من خلال تخزين صورهم أو استغلالها دون إذن، يدخل في نطاق الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وهو اعتداء تجرّمه العديد من التشريعات المقارنة.
غـير أن الواقع يكشف عن فجوة تشريعية في بعض الدول، إذ ما زالت النصوص القانونية عاجزة عن مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي وأدواته.
إن خـطورة هذه المسألة لا تقتصر على أثرها الآني، وإنما تمتد إلى المستقبل، إذ قد تبقى الصور في قواعد البيانات لعقود طويلة، وتُستغل في سياقات غير مشروعة أو مسيئة.
ومـن هـنا تتأكد الحاجة إلى تدخل تشريعي عاجل يضع أطرًا قانونية واضحة لحماية الصور والمخرجات الرقمية، ويحدد المسؤولية الجنائية والمدنية عن أي اعتداء على هذا الحق.
وفـي المقابل، يـظل الوعي المجتمعي خط الدفاع الأول، إذ ينبغي أن يدرك الأفراد – ولا سيما الناشئة – أن الصورة التي تُرفع إلى تطبيق ما لم تعد ملكًا لصاحبها وحده، بل قد تتحول إلى سلعة رقمية في سوق غير منظم.
وعـلى الأسـرة والمدرسة ووسائل الإعلام أن تضطلع بدور تثقيفي يحذر من هذه المخاطر، ويعزز ثقافة حماية الحقوق الرقمية للأبناء.
إن صيانة الخـصوصية في العصر الرقمي لم تعد خيارًا ثانويًا، بل أصبحت ضرورة تشريعية وأمنية ومجتمعية.
فـما يبدو اليوم تسلية بريئة قد يتحول غدًا إلى تهديد للسمعة والكرامة الإنسانية، الأمر الذي يستدعي وعيًا جادًا وتشريعات رادعة تكفل الحماية الفعلية لهذا الحق.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 27. سبتمبر. 2025م
.