أخطبوط البنوك والصرافة..الخاصة ، تهديد صامت للاقتصاد الوطني
اعتدنا في أي دولة ذات سيادة حقيقية أن تمارس السلطة دورها في حماية حقوق الدولة والشعب، لكن في اليمن عشنا سنوات طويلة من غياب هذا الدور. وقبل أشهر قليلة، ومع تولي الأستاذ/ سالم بن بريك رئاسة الحكومة وإعلانه حزمة الإصلاحات المالية والتجارية، عاد الأمل للشعب بتحسين الخدمات الأساسية، خاصة ما يتعلق بالمواد الغذائية والأدوية والغاز المنزلي، إضافة إلى خطوة مهمة تمثلت في توحيد العملة المحلية في المعاملات.
لكن سرعان ما رفعت البنوك والمصارف الخاصة مستوى المواجهة مع رئيس الحكومة، ومع الشعب أيضاً. فبعد أن بدأت بالمضاربة بسعر الصرف الأسبوع الماضي، انتقلت اليوم إلى المرحلة الثانية المتمثلة في إغلاق شامل لمحلات الصرافة والبنوك، بحيث لم يعد بمقدور أي مواطن إجراء عملية صرف حتى منتصف النهار، رغم أن خزائنهم مكتظة بالسيولة المحلية.
لقد عملت هذه البنوك والمصارف الخاصة لأكثر من عقد كامل على بناء بنية مالية ضخمة، بُرجت بمبانٍ شاهقة ومكاتب حديثة متطورة، حتى بدا المشهد وكأننا أمام مؤسسات رسمية راسخة، بينما في الحقيقة لم تكن سوى واجهات لإمبراطوريات مالية أسسها تجار حرب وأصحاب مصالح خاصة، استغلوا غياب الدولة وضعف الرقابة من البنك المركزي، والفساد المالي والاقتصادي المستشري. ومع مرور الوقت، تحولت عدن إلى معقل لهذه الشبكات المالية التي تعمل خارج أي رقابة حكومية حقيقية.
⬅️ والدليل القاطع: لو أعاد البنك المركزي اليمني العمل بسعر الصرف كما كان قبل شهر فقط، لعادت الأمور إلى طبيعتها فوراً، لأن السيولة متوفرة لديهم بالفعل.
لقد كنا نرغب في التوقف عن الكتابة حول الأزمة المالية، لكننا صُدمنا بحملات الترويج الممنهجة التي تزعم أن البنوك تعاني من أزمة سيولة محلية، في محاولة للضغط على رئيس الحكومة ودفعه للتراجع عن إصلاحاته المالية والمصرفية، وإرباك المشهد الاقتصادي برمّته.
إن هذا السلوك الخطير يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الاقتصاد الوطني، ويكشف حجم "اللعب القذر" الذي تمارسه بعض البنوك والصرافة. وعليه، فإن مواجهة هذه الإمبراطوريات المالية لم تعد خياراً بل ضرورة وطنية عاجلة. المطلوب اليوم هو فتح تحقيق شامل وشفاف مع البنوك وشركات الصرافة المتورطة في المضاربة والاحتكار، ومحاسبة القائمين عليها قانونياً. فاستقرار الاقتصاد الوطني وأمن المواطنين المالي لا يحتملان المساومة أو التغاضي، وإعادة الاعتبار للبنك المركزي كمرجعية وحيدة هو الطريق الوحيد لحماية السيادة الاقتصادية وإنهاء عبث المتلاعبين.
كتب / سمير الوهابي.