كارثة اقتصادية غير مسبوقة.. هل البنك المركزي أصبح مجرد محل صرافة؟!
في كل دول العالم، البنك المركزي هو المؤسسة المسؤولة عن ضبط السياسة النقدية، وحماية العملة الوطنية، وضمان استقرار الأسواق المالية. دوره ليس مجرد "بيع وشراء الدولار"، بل وضع سياسات تنظم الاقتصاد، وتمنع انهياره، وتواجه الأزمات المالية بقرارات مدروسة. لكن ما يحدث اليوم يدعو للذهول: بنك مركزي يعلن عن مزاد لبيع الدولار وكأنه مجرد صرافة في السوق السوداء!
هل هذا تصرف مسؤول أم إعلان رسمي عن الفشل؟
هل سمع أحدكم يومًا عن بنك مركزي في أي دولة محترمة يعلن مزادًا على الدولار؟ هذا ليس إجراءً اقتصاديًا، بل كارثة حقيقية تؤكد غياب أي سياسة نقدية واضحة. حتى محلات الصرافة لا تفعل ذلك، فكيف بالبنك المركزي، الذي يُفترض أنه الجهة المخولة بإدارة الاحتياطي النقدي وحماية العملة الوطنية؟
حينما يلجأ البنك المركزي لمثل هذه الإجراءات، فإنه يعلن ضمنيًا أن السوق أصبح خارج السيطرة، وأنه لم يعد يملك أي أدوات حقيقية لضبط الاقتصاد. وبدلًا من أن يضع حلولًا لمعالجة انهيار العملة، يشارك بنفسه في المضاربة عليها، مما يزيد من تدهور قيمتها ويرفع الأسعار أكثر وأكثر.
هل لدينا إدارة اقتصادية حقيقية أم مجرد تجار عملة ببدلات رسمية؟
إذا كان البنك المركزي لا يعرف كيف يدير السياسة النقدية، وإذا كان الحل الوحيد الذي يملكه هو بيع الدولار بالمزاد لمن يدفع أكثر، فلماذا لدينا محافظ بنك مركزي وفريق من "الاقتصاديين والمحاسبين"؟ هل هؤلاء مجرد أسماء على الورق، أم أنهم بالفعل يدرسون تأثير قراراتهم على السوق والمواطن؟
إن وجود محافظ بنك مركزي محترف يعني وجود استراتيجية اقتصادية، وخطط لمواجهة الأزمات، وقرارات قائمة على التحليل العميق للأسواق. لكن ما نراه اليوم يثبت أننا أمام إدارة عشوائية لا تملك أي حلول سوى بيع الدولار بالمزاد كما تفعل محلات الصرافة!
إلى أين نحن ذاهبون؟
المشكلة ليست في ارتفاع الدولار فقط، بل في أن هذه السياسات تخلق بيئة خصبة للمضاربة، وترسل إشارات خطيرة للمستثمرين بأن العملة المحلية لا تملك أي حماية رسمية. وهذا يعني المزيد من هروب رؤوس الأموال، وارتفاع الأسعار، وزيادة التضخم، ومعاناة أكبر للمواطنين الذين يدفعون الثمن من معيشتهم اليومية.
إن استمرار هذه السياسات الكارثية يعني أننا نسير نحو أزمة اقتصادية قد تصل إلى انهيار شامل، فهل هناك من يدرك خطورة ما يحدث؟ أم أن الأمر مجرد "إدارة مؤقتة" حتى ينهار كل شيء؟
إذا لم يكن هناك تدخل سريع لإصلاح السياسة النقدية، وضبط السوق، ووقف هذه القرارات العشوائية، فالسؤال لن يكون: لماذا يرتفع الدولار؟ بل سيكون: كم من الوقت تبقى قبل أن يفقد الاقتصاد توازنه بالكامل؟
جلال باشافعي
ناشط نقابي وسياسي جنوبي