عن رجال الدولة.. سالم ثابت ومحمد العبادي

لا يخلو أي بلد في العالم من الانتهازيين واللصوص وأصحاب الابتزاز الذين يسعون وراء المكاسب غير المشروعة. هؤلاء موجودون في كل مكان، يعرفهم الناس بأسمائهم وصورهم، ويميزونهم بسهولة من أفعالهم.

لكن في المقابل، هناك رجال دولة حقيقيون. رجال يُشعرون المواطن أن الوطن بخير، وأنه ما زال هناك من يعمل بإخلاص وصمت ودون منّة. رجال لا يبحثون عن الأضواء، ولا ينفرون من المسؤولية، بل يتقدمون الصفوف ويواجهون التحديات بإيمان أن مستقبل هذا الوطن يستحق التضحية.

اليوم، أجد من الواجب أن أتحدث عن نموذجين عرفتهما عن قرب: سالم ثابت العولقي و م.محمد العبادي، اسمان لا يحتاجان لتعريف، فقد رافقنا مسيرتهما منذ ما يقارب العقدين، ورأينا كيف تحوّلا من شباب في ميادين النضال إلى رجال دولة يشار إليهما بالبنان.

منذ بدايات الحراك الجنوبي، لم يقل سالم ثابت إنه شاب ويريد إكمال تعليمه وبناء مستقبله، بل انخرط، مثل الآلاف من شباب الجنوب، في مسيرة نضال وطني آمن بها قلبًا وقالبًا.

وحين اندلع العدوان الحوثي، لم يتردد في حمل السلاح والقتال حتى أُصيب ووقع في الأسر. تجربة الأسر لم تكسر عزيمته، بل خرج منها أكثر صلابة.

ثم جاءت اللحظة الوطنية الكبرى مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة القائد عيدروس الزبيدي، التي اعتبرها كثيرون تتويجًا لتضحيات جيل كامل.

عرفته عن قرب في الهيئة الوطنية للإعلام والثقافة، حيث كان مكتبه مفتوحًا للجميع، وكان السند الحقيقي إلى جانب الأستاذ مختار اليافعي. وحين تولى رئاسة الهيئة العامة للأراضي، قلت للشيخ لحمر بن لسود، الذي كنت يومها في حديث معه عبر الهاتف :"هذا ملف مفخخ، لكننا نثق أن سالم قادر على تفكيكه.

اليوم، ها هو سالم ثابت يمضي بخطوات ثابتة في هذا الملف الشائك، يحظى بدعم شعبي واسع، ويؤكد أن الجنوبي الذي حُوصِر لعقود قادر على الإدارة والقيادة متى ما أُتيحت له الفرصة.

أما المهندس محمد العبادي، الذي يصفه أصدقاؤه بـ"مهندس الاستقلال الثاني"، فهو قصة أخرى من قصص الحراك. برز كقادة حركة السادس عشر من فبراير بمدينة المنصورة، الحركة التي صحّحت مسار النضال الجنوبي وأفشلت محاولات التمييع.

كان يوم استشهاد الفتى محمد علي شاعن ابن الثامنة عشرة محطة فاصلة، ومنذ ذلك اليوم صارت دماؤه عنوانًا لمسار جديد.

آلة القمع اليمنية واصلت استهداف شباب الحركة: مبارك العولقي، شرف محفوظ، وآخرون كثيرون. وقتها قال لي الزميل حسين حنشي: نخشى أن تتم تصفية الجميع واحدًا تلو الآخر.

لكن الرد كان بحجم التحدي. الشباب أجبروا قوات الأمن المركزي على الانسحاب، ولم يخفوا مشاركتهم، بل أعلنوا بفخر على صفحات فيسبوك: "شاركنا في ردع القوة العسكرية وإخراجها من الساحة".

المناضل نزار هيثم وصف المنصورة بحق بأنها "قلعة الثورة". شبابها مستقلون، لا يعرفون التبعية، رفضوا المناصب والامتيازات حتى حين جاء أحمد عوض بن مبارك عام 2013 محاولًا استقطابهم. كانت إجابتهم حاسمة: *لا نريد مناصبكم، حين تعود دولتنا سنأخذ كل شيء.

ومن المنصورة خرج خيرة الأبطال: الأب حريز الحالمي، وصالح بن شجاع، وجعبل البركاني، فهمي الفروي، أحمد الأدريسي، والفتى الشهيد عادل نزار التركي. أسماء خلدها التاريخ بدمها.

اليوم، يواصل العبادي مسيرته كمدير عام للمؤسسة العامة للطرق والجسور في عدن، حيث يقود جهودًا جبارة في مواجهة كارثة السيول، خاصة في الحسوة. ما يقدمه من عمل هو من صميم مهامه، لكنه يستحق الشكر والتقدير من المجتمع، لأنه يعمل بجد ليلًا ونهارًا للتخفيف عن الناس في لحظة عصيبة.

لم أكتب عن سالم ثابت ومحمد العبادي لتلميع صورتهما، فهما ليس بحاجة إلى ذلك. ولم أرهما يومًا يسعيان للأضواء.

كتبت لأن من واجبنا أن نذكّر الناس أن في الجنوب رجال دولة حقيقيين، رجال لم يلهثوا وراء المناصب، بل حملوا همّ الوطن وعملوا بإخلاص وصمت.

كل أمنياتنا بالتوفيق لكل رجل وطني يعمل بجهد واخلاص.

#صالح_أبوعوذل