البارحة مع فتحي التريكي ونظرية العصيان المعرفي في منتدى الفكر والفلسفة الافتراضي...
لأول مرة في حياتي أستمع وأتحاور مع الفيلسوف التونسي المستنير فتحي التريكي (30 ماي 1947 - وذلك في ندوة فكرية اونلاين نظمها منتدى الفكر والفلسفة ثاني أيام السنة الميلادية الجديدة خميس البارحة بتاريخ 2 يناير 2025م عبر تطبيق زووم Zoom بعنوان: (الاستعمارية والعصيان المعرفي وآفاق التفلسف) أدارها أ. د. بهاء درويش أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة المنيا، ونائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، باريس، “ومؤسس المنتدى” وتلك هي حسنات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي إذ طالما وتمنيت مقابلة الدكتور فتحي التريكي الذي أعجبت في طريقة تفكيرة منذ ثلاثة عقود من الزمن وذلك عبر قراءتي لاصداراته الفلسفية المتميزة ومنها: الروح التاريخية في الحضارة العربية الإسلامية 1991
الفلسفة الشريدة 1988
فلسفة الحداثة 1992
مقاربات حول تاريخ العلوم العربية 1996
اسنراتيجية الهوية 1997-
فلسفة العيش سويا 1998
العقل والحرية 1998
ولمن لا يعرف فتحي التريكي إليكم تعريفه المختصر:
هو مفكّر وفيلسوف تونسيّ، ورئيس معهد تونس للفلسفة، وأستاذ كرسيّ اليونسكو
للفلسفة في جامعة تونس. شغل العديد من المناصب، منها عميد كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في صفاقس، وأستاذ زائر في جامعة ديوك في الولايات المتّحدة وفي جامعة باريس 8، وأستاذ فخريّ في جامعة تونس، ومدير مختبر الفلسفة في جامعة تونس. له العديد من المؤلّفات: "العقل والحريّة"، و"فلسفة الحداثة"، و"الفلسفة الشريدة"، و"قراءات في فلسفة التنوّع". نال وسام الاستحقاق في التعليم والعلوم، والجائزة الوطنيّة في الآداب والعلوم الإنسانيّة، ووسام الجمهوريّة في تونس، ودبلوم الجدارة العلميّة من معهد تعزيز الفلسفة الفرنكوفونيّة في كينشاسا. حائز على دكتوراه في الفلسفة السياسيّة من جامعة السوربون في باريس، وعلى دكتوراه الدولة في الفلسفة من كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في تونس"
وحينما يكون المحاضر هو فتحي التريكي ذاته فهذا بالنسبة لي فرصة سانحة لن اتركها تمر...
لا اعرف كيف سهوت على الموعد بسبب الفرق في التوقيت بين البلدان ولكن صديق عزيز نبهني إلى أن الندوة قد بدأت. فتحت اللابتوب ودخلت واستمعت وتداخلت مع الأستاذ فتحي التريكي الذي أذهلني بحضوره الذهني الوقاد وقد اوشك بلوغ سن زهير بن أبي سلمى الشهير (ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ) إذ كان يستمع إلى اسئلة ومداخلات الحاضرين بحرص واهتمام دون تسجيل اسمائهم وملاحظاتهم ثم يتذكر اسمائهم ويجاوب على اسئلتهم الكثيرة بدقة مدهشة أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية.
فيما يتصل بموضوع المحاضرة اليكم خلاصتها كما عرضتها الدكتورة إذ أكد أن العصياني المعرفي ليس رفضا للمعرفة العلمية والفلسفية الآتية من الدول الغربية الاستعمارية بل يعني اتخاذ موقفا نقديا منها يتمثل في " تفكيك تصور الكونية: والذي يقوم على الإطاحة بالفكرة الغربية التي تقوم على الهيمنة على العرب، حيث أننا لا نستطيع فهم الكونية إلا من خلال الوحدة الصماء.
– الحداثة حداثات: وتعني أنه ليس ثمة شك في أن الحداثة زمنية في جوهرها، والحداثة قد تصبح مجرد فكرة نستخدمها للدلالة على نمط معين عند التعبير عن الإنسان أو الطبيعة في مرحلة معينة.
انتهى أ. د. فتحي التريكي إلى التأكيد على:
– أن حضور التراث في الحداثة بشكل أو بآخر هو مسألة حداثية أو تاريخية، لذلك يمكن القول بأن تعددية الحداثة يعد أمرًا مهمًا في نظرية العصيان المعرفي، إذن لابد من وجود فكرة واضحة عن الحداثة.
– جاءت الفلسفة الشديدة لتدافع عن حرية التعبير عن الفكر والإبداع والتفكير المطلق، أي تضمنت الأنطلوجية النقدية للحاضر" بحسب عرض الدكتورة رانيا عاطف مقررة المنتدى.
سبق لي وأنا قرأت للفيلسوف الراحل حسن حنفي عن ما اسماها ( لاهوت التحرير) حركة مقاومة الاستعمار ظهرت في امريكا اللاتينية وقراءت مصطلح الديكولونيالية بوصفها حركة فكرية وأيديولوجية شاملة ضد الهيمنة الاستعمارية التقليدية إذ "يفترض التفكيرُ الديكولونيالي فكَّ الارتباط (معرفيا وسياسيا) من شبكةِ المعرفة الإمبريالية (ذات الأسس السياسية الثيولوجية والجغرافية) ومن الإدارةِ التأديبية. يتمثل أحدُ المواضيع الشائعة التي نناقشها اليوم بعد الأزمة المالية في وول ستريت في سؤال «كيفية إنقاذ الرأسمالية». أما السؤال الديكولونيالي فسيكون: «لماذا تريدون إنقاذ الرأسمالية وليس إنقاذ البشر؟ لماذا ننقذ كيانا مجرّدا وليس الأرواح البشرية التي ما تنفكّ الرأسمالية تدمرها؟» على المنوال نفسه تضع السياساتُ الجغرافية والجسدية للمعرفة والتفكيرُ الديكولونيالي والخيارُ الديكولونيالي حياةَ الإنسان والحياةَ عموما أولا، بدلا من إدّعاءات «تغيير التخصصات التعليمية». ومع ذلك فإن التفكيرَ الديكولونيالي، من خلال إعطائه الأولوية للحياة ولأرواح البشر، لا ينضمّ إلى «سياسات الحياة في حد ذاتها» بحسب تعبير نيكولاس روز، حيث إن مفهوم «سياسة الحياة في حد ذاتها» لروز هو آخر تطور لمفهومي «تسويق الحياة» و «القوة الحيوية» (كما نظّر لهما فوكو). تتّحد في «سياسة الحياة في حد ذاتها» الاستراتيجياتُ السياسية والاقتصادية للسيطرة على الحياة وإيجاد مزيد من المستهلكين في الوقت نفسه. كانت السياسة الحيوية، وفقا لتصوّر فوكو، إحدى النتائج العملية لسياسة الأنانية للمعرفة المطبقة في مجال الدولة. توسّع مداها «سياسة الحياة في حد ذاتها» لتسري على السوق. ولهذا فإن سياسة الحياة في حد ذاتها تصف إمكاناتِ التكنولوجيا الحيوية الهائلةَ في توليد مستهلكين يستثمرون أرباحهم في شراء منتجاتٍ معززة للصحة من أجل الحفاظ على إعادة إنتاج التكنولوجيا التي من شأنها «تحسين» السيطرة على البشر في الوقت نفسه الذي يُنتَج فيه مزيدٌ من الثروة من خلال الأموال التي يستثمرها المستهلكون الذين يشترون التكنولوجيا المعززة للصحة" ( ينظر، العصيان المعرفي – وولتر مِنْيولو، ترجمة: علي المجنوني2022)
وهكذا يمكن القول أن الفلسفة اليوم تستعيد عافيتها وتعيش حالة من الشغف الجديد بعد تفكيك الارتباط بينها وبين ايديولوجيا الاستعمار الحديث في حوار مع الفيلسوف الفرنسي المعاصر «جان توسان ديزنتي بعنوان (الفلسفة.. ذلك الشغف الجديد) قال: " إن الفلسفة تعيش اليوم حالة انفجار لانها تفتقد إلى مرتكز ثابت وإلى منطقة قابلة للكشف ومع ذلك لاتزال هي الطريق الصحيح للتفكير العقلاني في العالم اذا اردنا ان نتجاوز التزمت الغريزي والتعصب الانفعالي، المدمر للعقل والوجود.فلا تنوير بلا فلسفة ولا تعايش وتسامح بدون حوار فكري فلسفي عميق" وفي هذا السياق يمكن فهم كتاب فتحي المسكيني فلسفة النوابت الذي أكد فيه على الطابع الانتشاري الإنساني للتفكير الفلسفي إذ كتب أن "الشكل الوحيد الممكن للتفكير منذ الآن هو بناء حقول مفهومية للمقاومة، ليس مقاومة «الغرب» كعدو سياسي بل كنَموذج للكينونة مفروض على العالم الحالي. كذبة هي كونية الفلسفة إذا كانت «الكونية» تعني «واحدية» الفلسفة. إن التفكير الممكن بالنسبة لنا كعرب معناه أننا نملك مبدئيًّا حق اختلاف كوني عن «الغرب»؛ فالفلسفة كونية باختلافها لا بواحديتها"(ينظر، فتحي المسكيني،فلسفة النوابت) فهل ادركنا اهمية الفلسفة ؟
وحينما سألت الذكاء الاصطناعي عن نظرية العصيان المدني جاء رده دبلوماسياً ذكيا اليكم إياه..
" نظرية العصيان المعرفي هي مفهوم يمكن أن يرتبط بإعادة التفكير النقدي والتحدي للمعرفة التقليدية أو السائدة، مما يعكس قدرة الفرد أو المجتمع على نقد الأفكار والمفاهيم التي تُعتبر مسلّمات أو مقدسات معرفية. العصيان المعرفي، بهذا المعنى، يمكن أن يُفهم كحالة من الرفض الواعي أو المقاومة الفكرية لإعادة صياغة الأسئلة الكبرى المتعلقة بالمعرفة والسلطة، والبحث عن بدائل أكثر عدلاً وشمولية.
معالم نظرية العصيان المعرفي:
1. النقد الجذري: يتحدى الفرد أو الجماعة البُنى الفكرية السائدة التي قد تعيق الإبداع أو التقدم.
2. تحرير العقل: تحرير الفكر من القيود التي يفرضها التلقين، العقائد الجامدة، أو الأيديولوجيات المسيطرة.
3. استقلالية المعرفة: خلق مساحات معرفية جديدة تعتمد على التجربة والبحث المستقل بعيداً عن التبعية الفكرية.
4. المسؤولية الأخلاقية: السعي إلى معرفة تخدم الإنسانية بدلاً من تعزيز الأنظمة الظالمة أو السلطوية.
في الفلسفة والتاريخ:
يمكن فهم العصيان المعرفي من خلال أمثلة تاريخية مثل:
• حركة التنوير الأوروبي التي رفضت السلطة الدينية المطلقة.
• الثورة العلمية التي كسرت احتكار الكنيسة لتفسير الظواهر الطبيعية.
• الحركات النقدية الحديثة في العالم العربي التي تسعى لتفكيك البُنى الفكرية التقليدية وإعادة صياغة أسئلة النهضة.
في السياق العربي:
ربما يكون العصيان المعرفي ضرورة في مواجهة أزمات الفكر والسياسة في العالم العربي. فهو يمثل وسيلة لفهم جذور التخلف البنيوي وتحقيق قفزة معرفية قادرة على تخطي العقبات السياسية والاجتماعية.
إذا كنت تشير إلى استخدام محدد لهذا المصطلح في كتاباتك أو مقارباتك الفكرية، سأكون سعيدًا بمناقشته في سياقه الخاص"...