الأسـواق بين حـضور الدولـة وغـيابها "مـن يحـمي المـواطن؟"
إن الأسـواق لا تعكٓس فقط حركة البـيع والشـراء، بل تعكس أيضًا مدى حـضور هيبة الدولة وفاعـلية مؤسساتها الرقـابية.
وعندمـا يغـيب زي الدولة عن المـيدان، يغـيب معه الانـضباط، فترتـفع الأسـعار بصورة فجـائية، وتعود فوضى السوق وكأن المواطن يعيش خارج إطار حماية القانون.
المفارقـة الصارخـة؛ تكـمن في أن الباعـة والتـجار، عند حـضور فرق النزول الميداني من وزارة الصناعة والتجارة والأجهزة الأمنية والسلطة المحلية، يلتزمون فورًا بسعر الصرف الجديد، دون أن يثيروا مسألة "المصدر" التي يتحججون بها في غياب الرقابة، وهذا السلوك لا يكشف فقط ازدواجية في الممارسة، بل يفضح هشاشة منظومة الرقابة التي يبدو تأثيرها مرتبطًا بوجود مادي لحظي، لا بآلية مستدامة للضبط.
إن الاستـمرار في هذا النـمط من الرقـابة الموسمية، التي تعتمد على النزول المتقطع، يمثل إخلالًا بمسؤولية الدولة تجاه حماية المستهلك وضمان استقرار السوق.
فالقـوانين والقـرارات لا تُسنّ لتكون رهينة مشهدية الزي الرسمي، بل لتُطبق في كل وقت، وبآليات تردع المخالفين حتى في غياب أعين الرقابة المباشرة.
ومـن ثم، فإن إصـلاح هذا الخلل البنيوي يتطلب إعادة هيكلة آليات الرقابة، وتفعيل الجزاءات الرادعة بصورة فورية، وتوسيع نطاق الرقابة الإلكترونية والميدانية على نحو متواصل.
فالدولـة التي تترك السوق رهينة لحضورها الظرفي، تفرط ضمنيًا في أهم وظائفها "حماية المواطن وضبط النظام الاقتصادي".
ومـن هـنا؛
تبـرز الحاجـة الملحّة إلى تكثيف الرقابة الميدانية على نحـو يومـي، مع إنشاء غرفة عمليات موحدة في كل مديرية، تكون مرتبطة مباشرة بغرفة عمليات المحافظة، لضمان سرعة الاستجابة لأي تجاوزات أو تلاعب بالأسعار.
إن وجـود هذه الغـرف سيمكن من متابعة حركة السوق لحظة بلحظة، وتنسيق الجهود بين الأجهزة الأمنية والرقابية، بما يحقق الردع الفوري ويعيد الثقة للمواطن في قدرة الدولة على حماية مصالحه الاقتصادية.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 9. أغسطس. 2025م
.