المـركب واحـدة والـغرق مصير الجمـيع
حـين تتقاذف الأمـواج سفينةً مثقلةً بالركاب، لا يعود أمام من فيها سوى التكاتف لإنقاذها، لأن غرقها غرقٌ للجميع، ونجاتها نجاةٌ للجميع.
وهـذا هو حال اليمن اليوم؛ بلدٌ يعيش على إيقاع الانقسام السياسي، والتجاذب الحاد بين الفرقاء، فيما الوقت يمضي والمشهد يزداد قتامة.
لـقد مضت سنواتٌ طويلة والبلاد عالقة في حالة "لا حرب ولا سلم"، وضعٌ شاذ يستنزف قدرات الدولة ويهدر طاقات المجتمع، فلا هو سـلام يبعث على البناء، ولا هي حـرب تحسم مصير الصراع؛ وما لم يدرك الجميع أن المركب واحدة، فإن الرياح ستظل تعبث بالمصير وتجُرَّ الجميع إلى الغرق.
إن الجلـوسَ إلى طاولة يمنية واحـدة لم يعد ترفًا سياسيًا ولا خيارًا مؤجلًا، بل هو ضرورة وجودية لإنقاذ الوطن من مصير مجهول؛ فكل تأخير في الالتقاء على كلمة سواء يعني مزيدًا من المعاناة، ومزيدًا من استنزاف مقدرات الناس وأحلامهم.
والمشـهد اليوم يثبت أن لا طـرف يمكنه فرض رؤيته منفردًا، ولا فريـق قادر على النجاة بمفرده؛ فـإما شراكة في القرار وبناء مشروع وطني جامع، أو استمرار في التشرذم الذي لم يُورِّث البلاد سوى الدمـاء والخـراب.
الحـكيمُ؛ هو من يلتقط إشارات اللحظة ويعيد ترتيب أولويات المرحلة القادمة.
الحـكيمُ؛ هو من يتجاوز الحسابات الضيقة ويستشعر جسامة التحديات، فيبدأ أولًا بوقف نزيف الوطن، ويضع على الطاولة أجندة اليمنيين الحقيقية: "السلام، وإعادة بناء المؤسسات، وإنقاذ المواطن من بؤس الجوع والفقر والتيه السياسي".
إن اليـمن اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الاصطفافات ولا إلى جولات جديدة من المناكفات، بل إلى وعـي جمعي بأن المركـب واحـدة والمصير مشـترك.
والتاريـخ لن يرحـم من آثر مصالحه الذاتية على مستقبل وطن بأكمله، ولن يغفر لجيل رأى البلاد تغرق وهو منشغل بتقاسم المقاعد.
فـلنكن على قـدر اللحظة، ولنجلس جميعًا – كفرقاء يمنيين – حول طاولة واحدة، لأن هذه الأرض تتسع للجميع، ولأن المركب الذي يحملنا جميعًا لن ينجو إلا إذا حمـلناه مـعًا.
القـضية ليست مجرد صراع على سلطة، أو منازعة على نفوذ، فالذي على المحكّ هو "وجـود وطـن وذاكـرة شـعب".
اليـمن الذي حمل أولى بصمات الحضارة الإنسانية، لا يمكن أن يكون آخر ضحايا غياب الحكـمة.
إنه اخـتبار للإرادة، وامتحان للضمير، فـإما أن نكتب نحن اليمنيون فصل خلاصنا بأيدينا، وننقذ مركبنا المشترك من الغرق، أو سـنسلم قيادنا لريـاح العواصف لتقذف بنا إلى مجاهـل المجـهول.
إنـها مسـؤولية التاريـخ التي تنتظر من يمتلك الشجاعة ليكتب نهاية مختلفة لهذه المأسـاة.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 30. سبتمبر. 2025م
.