الملف التهامي: غموض القرار تأجيل الاستحقاقات والإقصاء المتعمد... هل آن الأوان لفرض معادلة جديدة؟..

ظل ملف تهامة في دائرة التأجيل والتجاهل على الرغم من مركزية هذه الجغرافيا في المشهد اليمني والإقليمي. على مدى سنوات، عوملت تهامة كملف غير ذي أولوية، يدار بالوصاية من خلال وسطاء لا يعبرون بالضرورة عن تطلعات أبنائها ولا يمتلكون القدرة على انتزاع حقوقهم أو تمثيلهم بالشكل الذي يستحقونه. وهذا التجاهل المستمر يطرح تساؤلات كبيرة حول طبيعة الحسابات التي تحكم هذا الملف، وما إذا كانت المخاوف المتجذرة لا تزال تعيق اتخاذ قرارات جريئة تعيد لتهامة دورها الحقيقي. وإذا كان التباطؤ في التعامل مع تهامة نابعا من حسابات سياسية أو أمنية، فإن ذلك لا يبرر الإبقاء على المنطقة رهينة وعود لم تتحقق، في وقت استطاعت فيه قوى إقليمية إعادة ترتيب المشهد في مناطق أخرى داخل اليمن. فهل هناك اعتبارات خفية تجعل ملف تهامة أكثر تعقيدا من غيره؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإلى متى سيظل أبناء تهامة عالقين في حالة الانتظار بينما يتم إعادة تشكيل خارطة النفوذ اليمنية دون أن يكون لهم موطئ قدم فيها؟

الواقع التهامي اليوم يعكس حالة من الإحباط واليأس نتيجة التعاطي غير الجاد مع استحقاقات المنطقة. لقد مرت تهامة بظروف قاسية على المستويين الإنساني والسياسي، حيث لم يُمنح أبناؤها أي فرصة حقيقية لإدارة شؤونهم أو لعب دور فاعل في رسم مستقبلهم. وعلى الرغم من أن الفاعلين الإقليميين كانوا قادرين على حسم ملفات شائكة في مناطق أخرى، إلا أن تعاملهم مع تهامة اقتصر على تقديم الوعود والتطمينات دون أي خطوات عملية تترجم تلك الوعود إلى واقع ملموس. وهذا الوضع يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء إبقاء تهامة في حالة الجمود، وما إذا كان هناك تخوف غير مُعلن من منح التهاميين مساحة حقيقية للمشاركة في صياغة المشهد اليمني الجديد.

إذا كان التوجس من الملف التهامي مبنيًا على تقارير استخباراتية تقدم صورة غير دقيقة عن الواقع، فإن ذلك يعني أن القرارات تبنى على أسس قد لا تعكس الحقيقة الفعلية. فتاريخيا لم تكن تهامة طرفا في صراعات عقائدية أو مشاريع توسعية تهدد استقرار الإقليم، بل ظلت تمثل حالة مستقلة بذاتها، تتفاعل مع محيطها وفقا لمصالحها واحتياجاتها. وإذا كان التردد في منح التهاميين دورهم الطبيعي قائما على افتراضات غير محدثة، فإن هذا يمثل مخاطرة استراتيجية قد تفتح الباب أمام لاعبين آخرين لملء الفراغ القائم، خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها الإقليم والتوجهات الجديدة للقوى الكبرى.

الملف التهامي بدأ يلفت انتباه الفاعلين الدوليين، حيث تظهر مؤشرات على اهتمام أمريكي وبريطاني متزايد بفتح قنوات تواصل مباشرة مع أبناء تهامة. وهذا التحرك يحمل في طياته دلالات مهمة، خاصة إذا ما أُخذ في الاعتبار أن القوى الدولية لطالما نظرت إلى تهامة باعتبارها بوابة استراتيجية على البحر الأحمر، وممراً حيوياً للتجارة العالمية. وإذا نجحت هذه القوى في بناء تفاهمات مباشرة مع أبناء تهامة، فإن ذلك سيؤدي إلى متغيرات كبيرة في خارطة النفوذ داخل اليمن، وقد يخلق معادلة جديدة يكون فيها التهاميون لاعبا مستقلا بعيدا عن تأثير الفاعلين الإقليميين التقليديين. وهذا السيناريو، إذا تحقق، قد لا يكون بالضرورة في مصلحة بعض الأطراف التي فضّلت إبقاء الملف التهامي في حالة من الجمود بدلاً من التعامل معه بجدية منذ البداية.

وأمام هذا الواقع، لم يعد أمام أبناء تهامة سوى البحث عن خيارات بديلة تكسر دائرة الإقصاء المفروضة عليهم. فإذا استمر التعاطي معهم بأسلوب الوصاية والتجاهل، فإن من الطبيعي أن يتجهوا نحو بناء شراكات جديدة تضمن لهم تمثيلا حقيقيا في أي ترتيبات مستقبلية. وهذا لا يعني القطيعة مع الفاعلين الإقليميين، بل هو محاولة لخلق توازن في العلاقات، بحيث لا يكون مصير تهامة مرهونًا برؤية طرف واحد يتحكم في مسارها دون أن يمنحها حقوقها. فالعالم اليوم لا يعترف إلا بمن يمتلك أوراق قوة يستطيع توظيفها لتحقيق مصالحه، وإذا لم يحصل التهاميون على حقوقهم عبر القنوات التقليدية، فإن البحث عن بدائل يصبح خيارا مشروعا بل وضروريا.

التحولات الإقليمية والدولية تفرض على أبناء تهامة إعادة النظر في استراتيجياتهم السياسية، والعمل على صياغة رؤية جديدة تجعل منهم طرفا فاعلا وليس مجرد تابع ينتظر الإملاءات من الآخرين. فالعلاقات الدولية قائمة على المصالح، وإذا لم يستطع التهاميون فرض أنفسهم كقوة مؤثرة، فإنهم سيظلون رهينة وعود غير قابلة للتحقق. وفي ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، فإن أي طرف لا يتحرك لحماية مصالحه قد يجد نفسه خارج المعادلة تماما، في حين تحجز القوى الأخرى مواقعها ضمن الخارطة الجديدة للنفوذ في اليمن.

الوقت لم يعد في صالح من ينتظر الحلول تأتيه من الخارج دون أن يكون له دور في صناعتها. وإذا لم يتحرك أبناء تهامة باتجاه بناء تحالفات إقليمية ودولية تضمن لهم حقوقهم، فقد يجدون أنفسهم في وضع أكثر تعقيدا مما هم عليه اليوم. فالرهان على الوعود وحدها لم يعد خيارا عمليا، خاصة في ظل تصاعد الاهتمام الدولي بتهامة كممر استراتيجي بالغ الأهمية. وإذا لم يتم التعامل مع هذا الملف بجدية من قبل الفاعلين الإقليميين، فقد تكون النتيجة إعادة تشكيل المشهد بترتيبات جديدة يكون فيها لأطراف أخرى دور أكبر مما كان متوقعا.

استمرار تجاهل تهامة قد يدفع الأمور نحو سيناريوهات غير محسوبة، خاصة إذا وجدت القوى الدولية أن من مصلحتها بناء شراكات مباشرة مع أبناء المنطقة بعيدا عن الفاعلين الإقليميين التقليديين. وهذا التحول، إذا ما حدث، سيؤدي إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في اليمن بطريقة قد لا تكون في صالح من اختاروا تأجيل التعامل مع الملف التهامي بدلاً من حسمه منذ البداية. وإذا لم يكن هناك تحرك سريع يعيد التهاميين إلى دائرة الفعل، فإن الفرصة قد تضيع، وقد يجد أبناء تهامة أنفسهم مضطرين للبحث عن خيارات أخرى تضمن لهم نيل حقوقهم وفقًا لمعادلة المصالح الدولية الجديدة.

الملف التهامي ليس قضية يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية، بل هو محور رئيسي في مستقبل اليمن. وإذا لم يتم التعامل معه بجدية، فإن النتائج قد تكون غير متوقعة، وقد تفتح الأبواب أمام لاعبين جدد قد لا تتوافق أجنداتهم مع مصالح بعض الأطراف الإقليمية. والحل الأمثل هو إنهاء حالة التردد والبدء في بناء شراكة حقيقية مع أبناء تهامة، قبل أن تصبح الخيارات المتاحة لهم خارج السيطرة.