نظرية ماء الوجه وأشياء أخرى ....


بروفيسور قاسم المحبشي ..

لدى كل ثقافة مجموعة من الرموز التي تدل على الشرف والعزة والرفعة والكرامة ومنها ماء الوجه قيمة مشتركة في جميع الثقافات وهناك جملة من الحكم والأمثال التي تختزنها ذاكرة الشعوب للتعبير عن الوجه الجاف الذي فقد الحياء والوجه الشريف الذي يستحي من يعرفها يكتبها في تعليق. أنا قراتها في سياق بحثي في صراع الإنسان من أجل الاعتراف تلك الرغبة الثاوية في اعماق الذات البشرية المتصلة بحفظ ماء الوجه والعيش بكرامة وستر الحال وما افدح كشف الجلال بحسب تعبير أهل البادية. 

نظرية تفاوض الوجه هي نظرية وضعتها ستيلا تينغ تومي Ting-Toomey في عام 1985 ، لفهم كيف يدير الناس على اختلاف ثقافاتهم كلا من علاقاتهم وخلافاتهم . افترضت النظرية أن "الوجه" ، أو الصورة الذاتية للإنسان تعتبر شيئا محوريا عند التواصل مع الآخرين وهذه الظاهرة عالمية ومنتشرة في الثقافات المتعددة. ففي النزاعات على سبيل المثال، يعتبر وجه المرء مهدد ؛ وبالتالي يميل الشخص إما لحفظ أو استعادة ماء وجهه. هذه المجموعة من السلوكيات التواصلية، وفقًا للنظرية، تسمى "عمل الوجه". تختلف نوعية تلك السلوكيات من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى لأن الأشخاص هم الذين يضعون المعنى المحدد لكلمة "وجه" وكذلك طريقة تفاعلات ذلك "الوجه"، فإن هذه النظرية تشكل إطارًا ثقافيًا عامًا لدراسة مفاوضات الوجوه. من المهم أن نلاحظ أن تعريف الوجه يختلف باختلاف الناس وثقافتهم ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإتقان عمل الوجه. فمتى يراق ما الوجه؟ وما هي المواقف التي تستدعي إراقته؟ 

:«ليس المهم أن نرى بل الأهم أن نبصر فيما نراه». والوجه ليس مجرد الجبهة والأنف والفم والعينين والوجنتين بل هوبصمة الشخصية ورمزها العلني وأكثر الملامح مجلبة للانتباه. وكما يقول ليفناس: «دلالة الوجه تكمن في البعد الجديد الذي يفتحه في إدراك الوجود»، والمقصود أننا نحن موضوع الإدراك بحكم الاختلافات في الوجه والتي تعطينا كيفيات تميزنا. يتميز الوجه بمجموعة من الخصائص مثل النقاء الأصلي والمقاومة اللامتناهية والخارجية الجذرية، فالتجلي كوجه ليس انكشافا لعالم باطني بل خارجية الوجه هي هنا ما لا يمكن إخفاؤه والاضطلاع به وتحملها، إنها من الآن فصاعداً تقدم نحو اللاَّنهائي والبرانية الجذرية، فالآخر ليس له أن يعبر ويظهر إلا عن طريق وجهه، والوجه هو بالتحديد هذا الظهور الاستثنائي للذات بذاتها. تجلي وجه الأنا للآخر هوزيارة الآخر عن طريق وجهه المختلف وبالتالي يفتح الوجه نوافذ الذات للزائرين ويسمح لها بزيارة الآخرين عبر وجوههم وهكذا يدخل الوجه إلى عالمنا عبر حقل غريب والإنسان الغريب يأتي إلينا من الخارج منفصلاً عبر وجهه المتجلي. ويعترف ليفناس أن: "دلالة الوجه في تجرده هو في معناه اللغوي خارق للعادة وخارج كل نظام وخارج كل عادة»
وحينما تتقابل الوجوه تتعين العلاقة بين الذات والآخر الوجه الذي يمثل مرآة عاكسة لحقيقة الأنا وكينونتها، والآخر مرآت الذات وقد كانت ولازالت العيون مرايا وجه الكائن...