الإخوان وإيران ودمار الأوطان...
✍????: عبدالجبار سلمان
في توقيت إقليمي حساس، وفي خضم الحرب الإسرائيلية الإيرانية أصدرت جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً بياناً أثار استغراباً واسعاً، ليس فقط بسبب توقيته ومضمونه، بل بسبب اللغة التي تجاوزت الواقع إلى تماهٍ مريب مع السرديات الإيرانية، في ظل استمرار مشاريع الهيمنة الإقليمية لطهران وميليشياتها بالمنطقة. البيان، الذي بدت صياغته أقرب إلى “بيعة سياسية” للمرشد الإيراني منه إلى موقف مسؤول يصدر عن جماعة تدّعي تمثيلها لتيار “الإسلام السياسي السنّي”، يعيد فتح ملفات العلاقة الطويلة والمعقدة بين الإخوان والحرس الثوري الإيراني. لم تكن العلاقة بين الإخوان وإيران وليدة لحظة، بل تعود إلى ما بعد الثورة الخمينية عام 1979، حين بادر قادة الإخوان إلى الترحيب بـ”قيام الدولة الإسلامية” في إيران. ومنذ ذلك الحين، ظل الطرفان يتحركان بتقاطعات مصلحية، خصوصاً في ملفات المواجهة مع الأنظمة العربية، ومواقف “الممانعة” التي تتخذها طهران واجهة لتوسيع نفوذها عبر ميليشيات عابرة للحدود. الحرس الثوري الإيراني، الذي تأسس كأداة عسكرية لحماية الثورة الخمينية، استنسخ الكثير من النماذج التنظيمية والفكرية من تجربة الإخوان، بما في ذلك هيكل العمل السري، والولاء المطلق للقيادة، والعمل داخل مؤسسات الدولة لاختراقها. في المقابل، وجد بعض الإسلاميين في إيران نموذجاً “ناجحاً” للصعود إلى السلطة عبر العقيدة، رغم الاختلافات الطائفية العميقة. أكثر النماذج وضوحاً على اختراق المشروع الإيراني لتنظيم الإخوان، هو ما حدث في اليمن. فبينما تساقطت مؤسسات الدولة في صنعاء تحت ضربات الحوثيين المدعومين من إيران، كانت أطراف من حزب الإصلاح (الواجهة السياسية للإخوان في اليمن) تمارس صمتاً مريباً، أو تنخرط في صفقات وتحالفات رمادية، ساهمت بشكل غير مباشر في سقوط العاصمة. اللافت أن نفوذاً متزايداً للأسر السلالية خصوصاً من الهاشميين ظهر داخل مفاصل الحزب، بل وحتى في أجنحة المؤتمر الشعبي العام، في مشهد عبثي يكشف كيف تم تفكيك الكتلة الوطنية من الداخل، واحتواء بعض مكوناتها ضمن مشروع طهران. لقد أصبح من الصعب اليوم التمييز بين من يقاوم المشروع السلالي الإيراني في اليمن، ومن يخدمه تحت شعارات فضفاضة مثل “الوفاق الوطني” أو “التهدئة المرحلية”، في ظل تحالفات مشبوهة وانقسامات داخل التنظيمات. البيان الأخير للإخوان لم يكن مجرد موقف متخاذل، بل جاء بلغة صادمة لمعظم الشعوب العربية، خاصة من اكتوى بنار المشروع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن. تجاهل البيان ذكر جرائم الميليشيات الطائفية، وتغاضى عن التوسع الإيراني، واكتفى بإشارات عمومية حمّالة أوجه، ما جعله أقرب إلى “تبييض سياسي” لصورة الحرس الثوري الإيراني. لقد تجاوزت الصياغة حدود اللياقة السياسية، وبدت وكأنها تتبنى السردية الإيرانية بالكامل، دون أدنى احترام لمشاعر الشعوب التي نزفت بسبب هذا المشروع. الجماعة التي طالما قدّمت نفسها كضمير الأمة، وقلب الحركات الإسلامية، بدت كأنها خرجت تماماً من هذا السياق، واصطفت طوعاً أو دهاءً مع من دمر الأوطان. رغم كل ما سبق، فإن المشهد ليس قاتماً بالكامل. فداخل التيارات الإسلامية لا تزال هناك أصوات وطنية ترفض الرضوخ للمشروع الإيراني، وتدرك أن المعركة الحقيقية ليست مذهبية، بل معركة استقلال وكرامة وسيادة.التحدي اليوم يكمن في فضح هذه الاختراقات، وتمييز الصفوف، ودعم من يقاوم المشروع الطائفي في الداخل، قبل أن يتم تسليم البلد بالكامل لإيران، لا باسم المذهب، ولا باسم الثورة، ولا حتى باسم “المقاومة”. لم تعد هناك مساحة للرمادية في هذا الصراع. فإيران لا تخفي مشروعها، ولا تُنكر أهدافها، ولا تتورع عن تمزيق الأوطان بدعوى “نصرة المستضعفين”. ومن يسكت عن ذلك أو يبرره هو شريك في الجريمة، ولو لبس عباءة “الإسلام السياسي”. الإخوان بهذا البيان لم يخسروا فقط رصيدهم السياسي، بل كشفوا عن عمق التبعية الفكرية والتنظيمية لمن يفترض أنهم خصومهم التاريخيون. والشارع العربي، الذي بات أكثر وعياً من أي وقت مضى، لن يرحم من اختار أن يكون عبداً في جيب الحرس الثوري، حتى لو لبس عباءة الدعوة.